Al Jazirah NewsPaper Wednesday  31/03/2010 G Issue 13698
الاربعاء 15 ربيع الثاني 1431   العدد  13698
 
التحفيظ والسياط
محمد الدبيسي

 

(سياط) حادَّة تمزق جسد طفل غض, لكي يحفظ القرآن الكريم، (سياط) -صيغ منها خبر صحفي طارت به الركبان وتناقلته وسائل الإعلام- ليست وحدها كافية ليعاد النظر في أمر هذه المدارس والجماعات التي تعمل لهدف نبيل، وتتوزع مسئولية الإشراف عليها وزارتان مرموقتان, لإعداد وتخريج مزيد من حفظة كتاب الله الكريم.

* وحالة صاحب السوط وتلميذه, لا يمكن تعميمها, ولا يمكن أن يؤاخذ بجريرتها معلمون أفاضل وتربويون مؤهلون ومدارس لتحفيظ القرآن لا يمارس معلموها مثل هذا الفعل. ولكن الحالة مع خصوصيتها تظل مؤشراً على ذوبان المعايير وهشاشة الشروط في سبيل الهدف الكريم، أو ضعف المراجعة والرقابة تجاهه على أقل تقدير.

فمعنى أن يتولى بائع عصير مهمة تعليم (تحفيظ) القرآن الكريم، أن ثمة أنشطة تحركها النوايا الحسنة, وثمة سبات ران على العقول، وثمة مجتمع لا تروق له دقة الملاحظة ولا عموميتها، وثمة من يخلط بين الأمور دون فرز وتحقق. وثمة من تخطف بصره وبصيرته؛ نصاعة وجاذبية العناوين دون توخي مقاربة المقدمات والتفاصيل والسياقات!

* أن ينبري بائع العصير معتداً بقدراته وكفاءته لتدريس كتاب الله، فتلك شجاعة وبداية رحلة تدين وتجارة مع الله. وكل من يحاول أن يسأل فقط ما هي مؤهلاته؟ أو من هو؟ فذلك متربص بطهارة النوايا، رافض لتدريس القرآن، كاره لعلوم الدين؟ (هل تذكرون «مساعد» في طاش ما طاش، الذي أعفى لحيته بسبب الحساسية.... وإلى ما انتهى أمره ومجتمعه في ذلك المشهد الدرامي...), استعادة المشهد وأشباهه ونظائره، توفر علينا كثيراً من هدر الكلام!

* ..وليس لأنه (بائع عصير), بل لأنه ليس أهلاً لمهمة سامية ورسالة رفيعة كهذه، وما أكثر بائعي العصير من حملة الشهادات، وما أكثر من يجعلون مهمة كهذه وظيفة نفعية محضة، يُساق إليها الأطفال بالسياط.

إننا نعي ونتابع جهود وزارة الشؤون الإسلامية، ومراجعتها المستمرة لخططها، ودأبها على إعادة تأهيل منسوبيها في جميع المهام والاختصاصات الموكلة إليها. وكم أتمنى على الشيخ الفاضل الوزير صالح آل الشيخ مراجعة وإعادة تقييم جماعات تحفيظ القرآن الكريم، ليس بسبب بائع العصير، ولكن لأن الحفظ والتحفيظ ليس هو وحده ما يرتقي بعمل هذه الجماعات، بل تدبر المعاني وتأمل الآداب القرآنية والامتثال لها، واستبصار الشواهد, واستقاء الدروس المساعدة على فهم الذات وفهم الواقع والإسهام الإيجابي في بناء المجتمع. إعادة تقييمها لأن الظروف والمتغيرات والاحتياجات المستجدة تحتم ذلك فيما أرى.

* هذه الجماعات بحاجة إلى إعادة رسم الأهداف، والتخطيط لآليات ووسائل جديدة, وصياغة مقررات وربط المنهج النظري بالواقع الفعلي، حتى لا يكون أولئك الناشئة بمعزل عن حياتهم وواقعهم وقضاياهم. وحتى يكون للتنافس جدواه في إطار تطعيم الأسرة والمجتمع بهذه النوعيات - لا الأعداد - من أهل القرآن وخاصته.

* لقد كان لمراجعة الوزارة أمر الخطباء والأئمة دوره في تصحيح المسار ومعالجة بعض الهنات، وأظنه سيكون له دور مهم وفاعل في أمر جماعات تحفيظ القرآن. ولله الأمر من قبل ومن بعد.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد