الجزيرة - عبدالعزيز العنقري
مع انعقاد مؤتمر كانكون في المكسيك يرى الكثير من الخبراء أن هذا المؤتمر سيشكل نقلة نوعية في مجال إدارة الطاقة عالميا، حيث يلتقي المنتجون والمستهلكون تحت قبة واحدة للاتفاق على وحدة مصالح الطرفين.
«الجزيرة» حاورت شخصية لعبت ولا تزال دورا مهما في لجان تطوير هذا المنتدى وهو الدكتور عدنان شهاب الدين الأمين العام السابق بالوكالة لمنظمة أوبك وكبير مستشاريها وطرحنا عليه مجموعة من الأسئلة تتعلق بأهمية الاجتماع المنعقد حالياً وتوقعاته لمستقبل المنتدى، حيث أكد أهمية وجود حوار شفاف حول مستويات الأسعار التي تحقق الاستقرار في السوق، وقال: إن قرار (نداء كانكون) وتنفيذه وفقا لآلية وضعت خلال عام سوف يؤدي لارتقاء المنتدى إلى مستوى يعادل أو يوازي منظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة, ولكن دون أن يلغي دورهم الرئيسي.. فإلى الحوار:
بما أن منتدى الطاقة الدولي هدفه الرئيس بناء جسور الحوار والمصارحة لتبادل المعلومات بين الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة, فهل بات من الضروري زيادة الاهتمام بهذا المنتدى ليصبح مساويا ومماثلا في الأهمية لمنظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة؟
بالتأكيد هناك حاجة لهذا المنتدى الذي بدأ في العام 1991 وحقق العديد من الإنجازات خصوصا أثناء الأزمة الأخيرة، ولكنها لم تكن بالقدر الكافي الذي يوازي حجم المشكلة الرئيسية المتمثلة في ضرورة توافر كم كاف من المعلومات للمنتجين والمستهلكين للطاقة وهذا الشق الأول، أما الثاني فهو أن يكون بينهم حوار شفاف حول ما هي مستويات الأسعار التي تحقق استقرارا للأسواق وتحقق مصلحة الطرفين, ولأن هذين الشقين مكملان لبعضهما البعض كان لابد وعلى ضوء ما حدث في 2008 و2009 أن يجتمع المستهلكون والمنتجون ليقرروا أن مثل هذا المنتدى يحتاج إلى دعم وتطوير بحيث يستطيع تحقيق إنجازات بشكل أكبر مما تم تحقيقه, فعل سبيل المثال وعلى هامش منتدى الطاقة دعا خادم الحرمين الشريفين إلى اجتماع عاجل تم عقده في جدة في 2008 لمناقشة ارتفاع أسعار البترول في ذلك الوقت، وهذا يدل على اهتمام المنتجين وعلى رأسهم المملكة بقيادة خادم الحرمين الذين ارتأوا أنه يجب اجتماع المستهلكين والمنتجين لتدارس هذا الارتفاع في أسعار البترول غير المفيد للطرفين وفي ديسمبر من نفس العام دعا رئيس الوزراء البريطاني لاجتماع مماثل في لندن عندما اتجهت الأسعار إلى الهبوط بشكل مخيف مما يهدد مصلحة الجميع.
إذاً أعود وأقول لم يكن هناك قدر كاف من الحوار البناء والمثمر الذي يعطي نتائج إيجابية، وهذا ما دعا لإعادة النظر في منتدى الطاقة لتقوية البحث عن السبل الكفيلة لدعمه.
هل تتوقع أننا سنشهد دورا أقوى لمنتدى الطاقة الدولي في المستقبل؟
- نعم بالتأكيد, فمن خلال مشاركتي في لجنة الخبراء التي تم تكليفها من قبل مجموعة من الدول على رأسها المملكة وبريطانيا على ضوء اجتماعي جدة ولندن, وتم تكليف هذه اللجنة بالنظر في قضيتين رئيسيتين هما: أسباب التذبذب والتقلبات الحادة في أسعار البترول وكيفية التغلب عليها والقضية الثانية هي كيفية تقوية منتدى الطاقة الدولي لكي يخدم القضية الأولى, وقضايا مماثلة تفيد طرفي معادلة الطاقة أي المنتجين والمستهلكين.
ولقد توصلنا لمجموعة من التوصيات في هاتين القضيتين وعلى الأخص في مسالة تقوية المنتدى ورفعنا هذه التوصيات وتم دراستها من قبل اللجنة المشكلة من عدة دول بعد اجتماعي جدة ولندن وتسمى (الدول الداعمة الرفيعة المستوى) وبناء على ذلك تم إصدار توصيات شكلت ما يسمى (نداء كانكون) الذي من المفترض أن يتم إقراره في اجتماع المكسيك الحالي, الذي يشارك فيه أكثر من ستين دولة بما فيها كبرى الدول المستهلكة والمنتجة كالولايات المتحدة وبريطانية والمملكة ودول أوبك, ومعظم دول وكالة الطاقة الذرية.
وأعتقد أن إقرار (نداء كانكون) وتنفيذه وفقا لآلية وضعت خلال عام سوف يؤدي بالضرورة لارتقاء المنتدى إلى مستوى من الأهمية يعادل أو يوازي منظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة, ولكن دون أن يلغي دورهم الرئيسي, وإنما يكون متكاملا معهما. فمنتدى الطاقة الدولي ليس تجمعا لطرف واحد أما المنتجون فقط أو للمستهلكين, وإنما يمثل تجمع لكليهما إضافة إلى الأعضاء المنتجين من خارج دول أوبك والمستهلكين من خارج دول منظمة الطاقة الدولية لبناء حوار بناء فعال بين جميع هذه الأطراف.
ومن هنا تأتي أهميته فهو لا يدافع عن مصالح المنتجين فقط أو عن مصالح المستهلكين, وإنما يجمعهم للخروج بما يفيد مصالح الطرفين.
ما توقعاتكم لما سيتمخض عنه منتدى الطاقة الدولي المجتمع حالياً في كانكون بالمكسيك؟
- بحسب ما توافر لدي من معلومات هناك أكثر من ستين دولة أقرت نداء كانكون والتوصيات المطروحة فيه بشان دعم وتطوير المنتدى، وبالتالي سوف يتم الموافقة على آلية التنفيذ التي ستوضع من خلال ميثاق جديد للمنتدى, فأنا أعتقد أنه بعد عام سيكون هناك اجتماع في المملكة وسوف يقر هذا الميثاق الجديد.
أما بشأن الشق الآخر المتعلق بالتذبذب الحاد وتقلبات أسعار البترول, وهو موضوع ليس بالسهل فنحن في لجنة الخبراء درسنا هذه المسألة ولم نستطع الوصول لحل سحري أو إيجاد سبب رئيسي واحد لمثل هذه التقلبات, وإنما وجدنا مجموعة عوامل تحتاج للدراسة لوضع حلول عملية لكل واحد منها, لنستطيع تقليل تقلبات الأسعار, فالتقلبات في مجملها لا يمكن منعها, أما الحادة منها كالتي شهدناها في عامي 2008 و2009 عندما ارتفعت الأسعار إلى مستوى 147 دولارا للبرميل، ثم هبطت بشكل مخيف إلى مستويات 32 دولارا, فمثل هذه التقلبات غير مبررة ومضرة للجميع, واعتقد أننا مستقيلا سنشهد تقلصا كبيرا فيها, فالمستهلكون والمنتجون الرئيسيون لم يتوصلوا فقط لضرورة الحوار وإنما بدؤوا الإعلان بشكل شفاف عن مستويات الأسعار المستهدفة التي تفيد الطرفين, فخادم الحرمين الشريفين أعلن أن سعر 75 دولارا للبرميل يعتبر سعرا عادلا وجيدا للدول المنتجة والدول المستهلكة. ثم أعلن رئيس وزراء بريطانيا بعده بأشهر شيء مشابه لذلك, وهذا التوافق الناجم عن الحوار البناء هو أحد أهم الأسباب التي سوف تؤدي إلى تقليص تقلبات الأسعار, ولكي يستمر هذا التوافق فهناك حاجة لتقوية منتدى الطاقة الدولي بحيث يؤدي دوره على أكمل وجه في استمرار هذا التوافق.
كيف تقيم دور المملكة في السعي لدعم الحوار بين المنتجين والمستهلكين من خلال توجهها الواضح في دعم منتدى الطاقة؟
- لاشك أن دور المملكة العربية السعودية حتى قبل بروز المنتدى كان وما زال يمثل دورا رئيسيا في القضايا المتعلقة بالطاقة خصوصا ما يتعلق بقضايا البترول. باعتبار المملكة تمتلك اكبر احتياطي في العالم, ولها مصلحة في إيجاد الاستقرار في أسعار هذا المصدر المهم للطاقة بما يخدم مصلحة الطرفين.
ففي منظمة أوبك تلعب المملكة دورا رئيسيا في قيادة الأوبك خصوصا مع أشقائها من دول الخليج بالذات, فهناك تجمع داخل الأوبك من دول الخليج تقوده المملكة, يحدد منذ عشرين عاما مسار أوبك ويقودها بنجاح, حتى أن بقية الأطراف اقتنعت بأهمية هذا الدور القيادي للمملكة وباقي دول الخليج.
وفيما يتعلق بالمنتدى, فبعد إقرار إنشاء سكرتاريته في الرياض, في أعقاب منتدى اوساكا باليابان, أصبحت الرياض محورا لمستقبل هذا المنتدى, والأمير عبد العزيز بن سلمان لعب دورا رئيسيا في الأعوام الماضية, أولا في إنجاح سكرتارية المنتدى, ونعلم أن عدم نجاحها سيقلل فرص نجاح المنتدى.
وخلال الأزمة العالمية في 2008 و2009 برزت الحاجة إلى دعم وتطوير المنتدى, واستطاع الأمير عبد العزيز تحقيق ذلك عندما تم تكليفه بهذه المهمة من خلال تقريبه وجهات نظر مختلف الأطراف, وأذكر أثناء اجتماع عقد في الرياض منذ نحو عام لدراسة توصيات لجنة الخبراء التي قدمناها وكذلك في اجتماع عقد في باريس في فترة لاحقة, كانت هناك مواقف متباينة لبعض الدول المهمة والمؤثرة, ولم تكن جميع الدول موافقة على مثل هذه التوصيات, ولكن الأمير عبد العزيز استطاع أن يأخذ توصيات لجنة الخبراء ويعمل مع بقية الدول في مجموعة الدعم, وتمكن من الحصول على صيغة أفضل للتوافق حول نداء كانكون الذي يحقق الغرضين أي دعم وتطوير المنتدى والحد من تقلبات الأسعار.
واعتقد انه بإعلان أكثر من ستين دولة حتى الآن موافقتها الرسمية على النداء هو بحد ذاته شهادة حقيقية على دور الأمير عبد العزيز المؤثر والرئيسي, الذي بدونه ربما لم نكن سنصل لتحقيق مثل هذا الإنجاز وخلال فترة قياسية.
أعتقد أن دول الخليج ودول الأوبك بحاجة إلى مواصلة لعب دور إيجابي ومبادر وألا يكتفوا بانتقاد الدول المستهلكة كما فعلوا في السابق. فعليهم الاستمرار بما بدؤوا به منذ سنوات وهو محاورة هذه الدول, كما عليهم أن يكونوا حريصين في خطواتهم المتعلقة بحماية مصالحهم ومستقبلهم التي يجب أن تكون في الوقت نفسه مفيدة ومقنعة للطرف الآخر, لأنها والدول المستهلكة في نهاية المطاف وجهان لعملة واحدة.