ذات يوم احتدم النقاش بين مجموعة من الدارسين والباحثين حول شكسبير: هل كان موجوداً بالفعل .. أو أنه شخصية ابتكرها كتَّاب من عصره قاموا بتأليف مسرحياته العظيمة ونسبوها إليه.
قطع أحدهم الحوار صارخاً، كفاكم اختلافاً فإنني أعرف الحقيقة! صمت الجميع وتابع الرجل: شكسبير لا وجود له .. ومن ألّف مسرحياته كاتب يدعى أيضاً شكسبير!
وهنا انتهى النقاش لأنّ هذا الرأي كان يحمل جواباً قاطعاً مسكتاً لا يرد عليه، والأجوبة المقنعة أو المسكتة باب من أبواب الفصاحة والبلاغة والنباهة، أفرد لها العرب صفحات كثيرة في كتب الله والموسوعات الأدبية والمختارات التي حفلت بأخبار وقصص شائقة، يندر أن تجد مثيلاً لها في تراث الأمم الأخرى ومنها:
- إنّ المعتصم دخل لدار (الحارث بن وكيع) فقال لابنه معاذ: أيهما أحسن .. داري أم دار أبيك؟ فقال معاذ دار أبي ما دمت فيها يا أمير المؤمنين..!
- وقدم كثم بن العذري إلى الوالي (سعيد بن عاصم) وهو في عباءة متسخة، فازدراه سعيد .. فقال أكثم: أيها الأمير .. إنّ العباءة لا تكلمك .. إنما يكلمك من فيها..!
- وقال خالد بن عبد الله لرجل: سل ما بدا لك. قال: مائة ألف دينار. قال: أسرفت، قال: فمائة درهم فقال خالد، ما أدري، أمن إسرافك أتعجّب أم من حظّك وإقلالك ؟! فقال الرجل: أيها الأمير: إني سألتك على قدرك، فلما أبيت، سألتك على قدري، فقال: إذن - والله - لا تغلبني على معروفي.
- وقال المأمون للعتابي: سلني، فقال العتابي: يداك بالعطية أطلق من لساني فأعطاه وأجزل له.
نعود إلى شكسبير ونقول: إنّ طالباً عربياً أعدّ رسالة دكتوراه يحاول أن يثبت فيها، أنّ هذا المسرحي المبدع كان قد تأثر ببعض ما جاء في تراث العرب من حكايات عن العشق والعشّاق والمتيّمين، قبل أن يؤلّف مسرحيته (عطيل .. وروميو وجوليت). وهذا ليس غريباً أو مستبعداً .. فأشهر كتّاب الغرب وعلى رأسهم (دانتي وبوكاشيو) كانا قد استقيا أهم أعمالهما (الكوميديا .. والديكاميرون) من تراثنا العظيم. أليس كذلك ؟!