أقول للآباء والأمهات ولجميع من يهمهم أمر المستقبل في هذا المجتمع أن يعيدوا النظر في مخزونهم التراثي حول مفهومي ولد وبنت وما يرتبط بتلك المفاهيم من قيم الاعتزاز المشوب بالاطمئنان في الحالة الذكورية والانكسار المشوب بالإشفاق في الحالة الأنثوية. على هؤلاء الآباء والأمهات أن يدققوا النظر في ثلاث خصائص إنسانية نوعية لأبناء وبنات الأجيال الجديدة قبل الانسياق لأوهام المواصفات والمقاييس أيام كانت المسائل تحسم بقوة العضلات ودق الأنوف والصمود في ساحات الوغى.
خلال عام واحد رفع الوطن رأسه عدة مرات زهواً وافتخاراً بالتميز العلمي على مستوى العقول العالمية لأن خمس أو ست فتيات سعوديات دخلن صرح البحث العلمي الجاد والمتميز من أوسع أبوابه وفي أرقى الأكاديميات العلمية العالمية.
ح. سندي، غ. المطيري، خ. الكريع، ن. الحربي واثنتان سواهن لا تحضرني أسمائهن الكريمة الآن، ست نساء من هذا البلد رفعن رأس الأهل أسرة ووطناً ودولة وأمة إلى قمة الفخر والاعتزاز. لم يكن بينهن أو معهن شاب واحد حقق إنجازاً علمياً يقارب ولو من بعيد ما أنجزته عقولهن النسوية الناقصة. في العام الماضي ذهبت السيدات السعوديات بالأجر والجوائز والاغتباط الوطني، وأين؟.. في مجال العلم الأكاديمي الصارم الذي لا يدخله إلا أصحاب العقول المتميزة، ولكن لم يحصل رجل أو شاب سعودي واحد على كوة صغيرة يطل منها بمجهوده الشخصي إلى داخل البحوث الأكاديمية المتميزة.
بناء على كتالوج المواصفات والمقاييس العقلية السائدة عندنا كان يجب على هؤلاء النسوة أن لا يسترجلن ولا يفكرن حتى بالدخول في سباقات علمية ناهيك عن مجاهل وأدغال البحث العلمي.. لكنهن اغتنمن الفرص التي أتاحتها لهن التربية المنزلية الحسنة والثقة التي غرسها المنزل فيهن فأتين بالعجب العجاب في أصعب مجالات الحياة. في هذه الحالة يصعب جداً بل يستحيل أن نقول عن هؤلاء المتميزات أنهن ناقصات عقول، أما مسألة البت في نقص الدين فنتركها للمتخصصين في هذا المجال.
ثمة محاور أخرى في حسابات التفاضل والتكامل الذكوري والأنثوي يجب أن ننظر فيها بقدر أكبر من الإنصاف حتى نحقق أكبر قدر من العدل العائلي والاجتماعي ولكي لا نغمط أحد الجنسين حقه لمصلحة الجنس الآخر. وأحد من هذه المحاور هو مسألة القوامة المالية على مصاريف البيت والعائلة في الوقت الحاضر.
إن الميزان الشرعي والاجتماعي عندنا يوجب القوامة المالية والأمنية على الذكر حتى لو كانت المرأة أكثر مالاً وأقوى شكيمة. لكن تمعنوا فضلاً لا أمراً في واقع الحال، لأن واقع الحال يشير إلى أن مسألة القوامة المالية على الأقل بدأت تنزلق تدريجياً عن كتف الرجل لتستقر على كتف المرأة، ويبدو أن الرجال سعداء بذلك بل ويطلبون المزيد عن طريق التحكم والسيطرة والابتزاز، والنساء يتقبلن المسؤولية عن طيب خاطر حفاظاً على تماسك الأسرة والأولاد. المحور الآخر هو مسألة التضحية بالجهد والوقت والمال في سبيل الوالدين إذا احتاج أحدهما أو كلاهما بسبب عجز أو مرض.
من خلال تجاربي في المجال الطبي العلاجي ألاحظ أن الالتزام باحتياجات الوالدين الصحية والاجتماعية بدأ هو أيضاً ينزلق من كتف الولد الذكر إلى كتف البنت الأنثى، بل أستطيع أن أقول إن من بين كل عشرة مرضى كبار عاجزين هناك سبعة لا يحضر معهم للطبيب ويدفع كراسيهم المتحركة ويستلم التوجيهات الطبية سوى البنات أو زوجات الأولاد. فضلاً تأملوا مرة أخرى، حتى مسألة البحث عن رضا الله في طاعة الوالدين والبر بهما تحولت إلى واجب أنثوي في المقام الأول.
ثمة نقطة أخيرة (ولو أنها مجرد جزء من كل) هي محاولة تربيع الدائرة قسراً لصالح العرف الاجتماعي الذكوري. إنها مسألة الالتزام بآداب وأخلاق المجتمع الشرعية والعرفية على الأقل فيما يطلع عليه الناس في الأحوال والأماكن العامة. نعم هناك فتيات متبرجات بشكل سفيه ومقزز لا تخطئ العين وجودهن في الحياة العامة، وفتيات مسترجلات أيضاً كأفراخ الشياطين، ولكن أين هذا القذى والشذوذ الأنثوي من أولئك الفتيان المستأنثين النافشين شعورهم كالكباش المرخين سراويلهم عن أعصاص الماعز المطوقين كراعينهم ومعاصمهم بأساور من الجلد والخرز، الذين نراهم يتسكعون ويتخاصرون أمام الناس في الحدائق والأسواق؟
بالله عليكم أمام كل هذا التميز العقلي والأخلاقي والاجتماعي لبنات اليوم مقابل هذا الهروب من المسؤولية وانعدام الحس الأدبي والاجتماعي لشقائقهن الذكور، ترى من هو ناقص العقل ومن هو أجدر بالثقة والاحترام؟ لا والله.. إلاّ بنت مسترجلة ولا ولد مستأنث.
ختاماً أقول عشت يا ابنة الوطن الكريمة، سيري إلى الأمام ولا تلتفتي إلى الخلف.