على سبيل القطْع المُشاهد، لا يوجد داء فتاك أكثر وحشية وأسرع قتلا وفجعا من حوادث الطرق، ومع ذلك فالناس مستسلمون لها استسلاما سلبيا خانعا بدرجة عجيبة، وكأنها مجرد قضاء وقدر لا دور لهم فيه البتة، مع أنهم هم القاضي والجلاد والمتهم معا. والمؤلم لكل مواطن: أن نسبة الحوادث لدينا تزداد بدرجة لافتة إلى حد تشير معها الإحصائيات بأن بلادنا هي الأعلى نسبة في الحوادث المرورية وفواجع الطرق،
إلى حد أن الدراسات تشير بأن هناك (قتيل كل ساعة)، والمفجع أن 87% منهم دون عمر 45 سنة، أي أنهم أهل المستقبل.
ويفهم من ذلك أن الوطن يخسر بشريا في أوقات سلمه أكثر مما تفقده البلدان الأخرى من أبنائها في أوقات حروبهم، حيث تشير الدراسات بأن فواجع الطرق عندنا، سواء في داخل المدن أو خارجها، تزداد مع السنوات بدل أن تقل، وتصل إلى مئات الألوف من الأرواح في العام الواحد فقط.
ومن نظرة عجْلى نلحظ بأنه لا يكاد يوجد بيت في بلادنا لم تطرق داره فواجع السيارات طرْقا موجعا مقتحمة عقر داره بعنف، والأكثر إيلاما أن نسبة كبيرة من ضحاياها هم من صغار السن، حيث تشير آخر إحصائيات وزارة الصحة (بأن خمْس المتوفين بحوادث السيارات هم أطفال دون الخمسة عشر عاما).
ولم تتوقف الخسارة على الناحية البشرية فحسب، بل تجاوزتها إلى الخسائر المادية الباهظة التي يئنّ لهما معا الوطن وأبناؤه، ففي آخر الإحصائيات المادية لحوادث الطرق، ثبت بأن السعوديين يخسرون 12 مليارا من الريالات، بسبب حوادث الطرق.
فهل نسكت على ذلك، لا سيما أنه حينما هددت بلادنا كارثة مثل كارثة إنفلونزا الخنازير، جندت البلاد لها كافة الاستعدادات المادية والمعنوية، وأصاب الناس ما يشبه الذهول والوسواس، بينما ابتلاء الطرق يهددنا جميعا منذ عقود في كل لحظة وثانية، ورغم ذلك لم نتحرك الحراك الإيجابي الفاعل إلى الآن.
لا ننكر بأننا نرى بين الفينة والأخرى بعض الجهود التوعوية الخجْلى التي لا تسد فم هذا الوحش المتعطش للدماء المتعاون مع المتهورين من بني البشر، بيد أننا نصر على أن يكون هناك مادة تربوية مرورية للمرحلة الثانوية على الأقل، لأنها المرحلة العمرية المقصودة، فمعظم الحوادث أسبابها وضحاياها هم الشباب، كما أن هناك أهمية قصوى لزيارة الشباب والمراهقين لمستشفيات النقاهة والإعاقة، بإشراف معلميهم، حيث تبدو لضحايا الحوادث بأنها زيارة ودّ وتعاطف، بل يجب أن يشترط المرور - نفسه - ذلك قبل أن يعطي أي شاب رخصة القيادة.
والأهم من كل هذا وذاك، هو العقاب الرادع ماديا ومعنويا لكل سائق مستهتر، وترك مبدأ المجاملات المهيمن على أي عقاب مروري، مما يعيق العلاج الناجع لهذا الجرح النازف، حيث إن استماتة العديد من الأهالي في سبيل عدم نيل أبنائهم المتهورين أي عقاب حتى لو كان يسيرا؛ هو الذي سيقضي على البقية الباقية من أمننا المروري، حتى زاد استهتار شبابنا بدرجة استفزازية، يتبعهم في ذلك الغاوون من السائقين الأجانب.
إن المجتمع بأسره ينتظر على أحر من الجمر المنقذ الحقيقي الذي تنطبق عليه آية الإحياء الكريمة: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}، وندعو الله تعالى أن نكون جميعا رجالا ونساء رسميا وشعبيا؛ ممن يسعون لتطبيق هذه الآية العظيمة، ونبذ المجاملات والوساطات والرحمة السلبية القاتلة.
****
g.al.alshaikh12@gmail.com