ما ظهر حتى الآن من بنود اتفاقية كامب ديفيد، عام 1979م وهي الاتفاقية التي عارض بعض بنودها وزير خارجية مصر نفسها المشارك في وفد المفاوضات المؤدية إليها..
|
.. وهو أن انسحاب الجيش الصهيوني من سيناء مشروط بعدم دخول الجيش المصري دخولاً حراً فيها، وأن على مصر أن تبيع الغاز إلى الكيان الصهيوني بسعر يرضاه هذا الكيان، وكما عارض وزير خارجية مصر المذكور سابقاً بعض بنود تلك الاتفاقية بشجاعة ونزاهة، حكمت محكمة مصرية نزيهة قبل شهور من الآن بإيقاف بيع الغاز إلى ذلك الكيان، وبخاصة أن في السعر الذي يباع به حيفاً وغبناً على مصر.
|
وكان على مصر - وفق اتفاقية كامب ديفيد- عدم القيام بأيِّ مساعدة للمقاومة الفلسطينية، بينما كانت مصر ذات التاريخ الحضاري والنضال التاريخي المشرِّف هي المؤيدة لحركات التحرير كما برهنت على ذلك في الوقوف مع الثورة الجزائرية المجيدة.
|
لقد ظل الزعماء العرب يعلنون في مؤتمراتهم ولقاءاتهم أن السلام مع الدولة الصهيونية هو خيارهم الاستراتيجي دون أن يضيفوا إلى ذلك أن هذا الخيار إن فشل فإن أمامهم خيارات أخرى، ومضت الأيام وكلما عقب اجتماع اجتماعاً آخر قبله زاد التأكيد على خيار السلام مع أولئك الصهاينة، وهل يتوقع من عدو لدود نشأ بالإرهاب، وتلذَّذ في ارتكاب الجرائم البشعة، وهو يرى هذا الموقف العربي لكل ما يفرض من وقائع على الأرض، غير التمادي في الصلف وتنفيذ خططه التهويدية الشريرة؟
|
كان كل اجتماع لزعماء العرب - بتأكيده على خيار السلام مع الصهاينة دون ربط ذلك بإمكانية انتهاج خيار آخر إذا فشل السلام معهم- بمثابة توالي انتصارات لهؤلاء الصهاينة وترسيخ لعدم مبالاتهم بما يقوله الزعماء، الذين لا يجدون أمامهم إلا التنديد والإدانة، أو مد أكف الضراعة إلى مجلس الأمن أو إلى المتحكمة في قرارات هذا المجلس، وكنت قد أشرت إلى هذا في أبيات من قصائد: منها:
|
أتى بيان الغيارى مثلما رغبوا |
فلتسعد الحال وليهنأ به العربُ |
أتى كما ألفت آذان أمتنا |
سماعه من كلام كله عجب |
إدانة للطغاة المجرمين على |
ما نفَّذوا من عظيم الجور وارتكبوا |
ومستطاب أقاويل مزخرفة |
لولا الحياء لقلنا إنها كذب |
|
لمجلس الأمن قد مدُّوا أكفَّهمُ |
ساء المؤمل والمأمول منقلبا |
هل يفرض المجلس الدولي سلطته |
إلا إذا استهدف الإسلام والعربا؟ |
|
وعدت أبحث عن حلٍّ يقدِّمه |
من جئت فوقي من ويلاته ضرما |
|
وهل تظنون من يبدي نصائحه |
عدلا يحقق في الشكوى كما يجب |
صنوان قادة أمريكا -وإن جحدوا- |
وطغمة لبني صهيون تنتسب |
ومن أدلَّة عدم مبالاة الصهاينة للزعماء العرب، إقدام أولئك الصهاينة على ارتكاب جرائم فظيعة في حق الشعب الفلسطيني فور انتهاء كل اجتماع لزعماء أمتنا العربية.
|
ومن انتصارات الصهاينة المتوالية احتلال جيش صدام للكويت ظلماً وعدواناً، ذلك أنه زاد في انقسام العرب وتفرقهم، ومهد الطريق أمام المتصهينين في أمريكا لتحطيم قوة العراق، التي كانت الخطر الاستراتيجي الحقيقي على الكيان الصهيوني كما أكد ذلك جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا حينذاك، وكان ذلك التحطيم خدمة كبرى للكيان الصهيوني، كما كان إضعافاً للعرب على العموم مما جعلهم يقبلون بمفاوضات مع هذا الكيان في مدريد، وهو الأمر الذي -كما قال بيكر- ظل الصهاينة يأملونة أكثر من أربعين عاماً.
|
ومن تلك الانتصارات ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، وكان حادثاً ما زالت تدور أسئلة حوله: كيف استطاع من قاموا به القيام به، وكيف نفذوه، وكيف لم تكتشف خطتهم أجهزة الأمن الأمريكية الراصدة لكل تحركات العالم تقريباً. لكن هناك أدلة على أن أجهزة الأمن الصهيونية كانت على علم بأنها ستحدث ولم تخبر الأمريكيين بما لديها من معلومات، وكون ما حدث انتصاراً للصهاينة أمر واضح، ذلك أنه أصبح سبباً لحشد الكثيرين، ولا سيما سكان الدول الغربية عموماً وأمريكا خصوصاً، ضد أمتنا، عرباً ومسلمين.
|
وكل هذا يصب في مصلحة الكيان الصهيوني.
|
ولأن المناخ السياسي أصبح مناسباً لأعداء أمتنا، وبخاصة أمريكا كي يوجهوا ضربات عنيفة ضد هذه الأمة قام الأمريكيون بغزو أفغانستان واحتلالها، وهو الاحتلال الذي ما زالت تلك البلاد المحتلة تعاني الأهوال منه. بل إن نتائجه لم تقتصر على أفغانستان وإنما امتدت إلى باكستان. على أن الأهم والأعظم بالنسبة للصهاينة كان احتلال أمريكا مع حليفتها بريطانيا للعراق، ومن ثم إكمال تحطيم هذا البلد، دولةً وجيشاً وبنية أساسية ولحمة اجتماعية، وكنت قد كتبت عن (مكاسب الصهاينة في العراق) نتيجة ذلك الاحتلال مقالة من ثلاث حلقات نشرت -فيما بعد- ضمن كتابي مقالات عن الهم العربي، الذي أصدرته دار الرائي في دمشق عام 2005م.
|
وللحديث عن توالي انتصارات الصهاينة بقية إن شاء الله.
|
|