* السطو على إبداعات الفكر ومخرجات العقل مخالفة أخلاقية ونظامية يعاقب عليها القانون في أغلب دول العالم الحديث، ولذا تُسنّ الأنظمة واللوائح والإجراءات لحماية الحراك الفكري والإبداعي من لصوص المعرفة ومن يحتضنهم في هذا السبيل تعاوناً أو تستراً أو تعاطفاً!
***
* وقد عُرِفت وعُرِّفت الجامعة بأنها واحة المعرفة، والدرع الأمين لكرامة الفكر، ومن أبرز مظاهر مثالية الفكر الالتزام العنيد بأمانة البحث العلمي، فيُنسبُ الفعلُ إلى فاعله والفضلُ إلى أهله، ذِكراً وتوثيقاً، وعندما (يقتبس) باحث بعض ما أنتجه باحث آخر، سواء كان الاقتباسُ اصطلاحاً أو سطراً أو صفحةً من كتاب فلا بد له من الالتزام بالقواعد العلمية المستقرة.
***
* من جانب آخر، قلَّ أن ينشأ بحث من فراغ.. فالحقيقة العلمية قيمة تتوارثها العقول وتُنميها الجهود.. فتُثريها بالبحث. وتحدّثها بالتأمل، وتقوّمها بالإضافة والنقض، وهذا لا يتم إلاّ (بالرجوع) إلى ما سبق من أدبيات مدونة، في ذاكرة الزمن عن هذا الحقل من المعرفة أو ذاك. لكن هذا لا يعني (السطو) على جهدٍ قد بُذِلَ، وتغيير (هُويته ونسبه) لصَالح آخر!
***
* ولذا، كان لا بد من إيجاد (مظلة حماية) ضد أي لون من ألوان (السطو) الفكري على إنتاج الآخرين مما يمكن أن يعلله مقترفوه مرةً.. بتداعيات الفكر، وأخرى.. بـ(توارد الخواطر) وثالثة، بزعم يقول: إنَّ المعلومة حق مشاع بين الناس، وهذه لعمري كلمة حق أُريد بها ضدّه، وأجدني في حل من ضرب الأمثال!
***
* أسوقُ حديث اليوم اهتداءً بما قرأته قبل حين من حديث يروي صاحبه الأكاديمي حادثة (سطوٍ) كان هو ضحيتها، فقد أنجز بحثاً مطولاً قبيل ابتعاثه إلى الخارج للدراسة العليا، وتسوّل الأنانية لنفرٍ من زملائه في القسم نفسه الذي يعمل به.. أن يسطوا على بحثه في غيابه، ليعدوا بحثاً آخر يحمل أسماءهم.. ويفاجأ زميلهم العائد من الخارج في رحلة علمية ببحثه (منقولاً) بلحمه وشحمه وعظمه.. مع شيءٍ يسير من (التصرف) الذي اقتضته (الأمانة العلمية) لقراصنة البحث الجديد! لم يشيروا إلى البحث الأول.. اسماً ولا مناسبةً ولا نصاً، بل نسبوا كلَّ شيء إلى أنفسهم.. (حقاً) مباحاً!
***
* إنني أناشد مَن يعنيه مثل هذا الأمر، داخل الجامعات وخارجها، سواء كان أستاذاً أو طالباً أو باحثاً أو مسؤولاً، أن يلتمس الحذر من مثل هذه الممارسات المشبوهة، وأن يُراعي الأمانة العلمية، سلوكاً لا شعاراً، وأن يردَعَ أي محاولة يمكن أن تخل بهيبة العلم، وحق العالم أو الباحث المجتهد، ولنعلم أولاً وآخراً أن سرقة الفكر كسرقة المال أو المتاع، كلاهما سلوك غير سويّ، يرفضه الشرع، ويأباه الخلق، ويجرّمه النظام!