Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/03/2010 G Issue 13695
الأحد 12 ربيع الثاني 1431   العدد  13695
 
تحت مظلة التعصب الرياضي
بعض المشجعين خرجوا بالرياضة من المنافسة الشريفة

 

«الجزيرة» - فاضل الفاضل

لم يكن يدر بخلد فهد أن علاقته بأعز أصدقائه سوف تنتهي بعد مباراة حاسمة لكرة القدم.. حيث إن تحيز الحكم كما يزعم صاحبه أنه هو من أهدى لهم البطولة على طبق من ذهب كانت النهاية لسلسلة خلافات بينهم والتي تقع تحت مظلة التعصب الرياضي «الجانب السلبي للرياضة» والتي تطغى في بعض الأحيان على الجانب الإيجابي، «الجزيرة» غاصت في أعماق هذه الظاهرة لتكشف أسباب تفشيها والحلول المناسبة للقضاء عليها.

عقليات بعض

المشجعين هي السبب

في البداية يقول عبد العزيز الجابري: التعصب الرياضي تفشى نتيجة لعقليات بعض المشجعين الذين جعلوا حبهم لفرقهم تسيطر على مشاعرهم وتصرفاتهم السلبية تجاه أصدقائهم من مشجعي الأندية المنافسة.. والتي كانت سبباً لقطع العلاقات في بعض الأحيان، وتابع عبد العزيز قائلاً: كسبت رهاناً من صديقي زيد والذي سيطر عليه التعصب تجاه فريقه.. حيث دائماً ما يراه على حق وأنه هو الصح في كل حالاته إلا أنه في إحدى المرات وعدني بوليمة عشاء نتيجة خلافنا في أحد المواضيع الخاصة بفريقه وعندما تبين خطأه التزم بوعده ودعاني وباقي الزملاء في أحد المطاعم الفاخرة عسى أن يكون هذا درساً له ليخفف من تعصبه.

يجب على وسائل الإعلام عدم شحن المشجعين

ويقول مشعل: أكثر ما يزعجني تجاه التعصب الرياضي هو قذف اللاعبين من قبل الجماهير واتهامهم بتهم باطلة لا يعلمها المشجعون.. إنما تكون من باب التعصب لا أكثر.. ومما يحز في نفسي أن هذا التعصب جعل بيني وبين أحد أقاربي فجوة لاستهتاري بفريقه المفضل مع أني كنت آخذها من باب المزح لا أكثر.

واقترح مشعل بأن تخفف وسائل الإعلام المرئية والمقروءة من شحنها للمشجعين عن طريق برامجها ومواضيعها المطروحة والتي دائماً ما تطرح مواضيع حساسة تزيد من المشاحنات بين جماهير الفريقين حيث إنه في السابق لم تكن هناك حزازيات بين المشجعين مثلما ما هو موجود الآن.

عشاء فاخر مقابل هزيمة فريق سعودي

ومن جانب آخر يقول مشاري: كنت أشاهد أنا وزميلي بالجامعة مباراة بين فريق سعودي وفريق آسيوي إلا أني تفاجأت بزميلي يشجع الفريق الأجنبي.. مدعياً بأن هذا الفريق «السعودي» منافس لفريقه في الدوري السعودي ولا يريده أن يفوز.. مع أن هذه المباراة مع فريق أجنبي.. وأكد لي بأنه سيدعوني للعشاء بأحد المطاعم الفاخرة فور هزيمة الفريق وخروجه من البطولة.

التصرفات الصبيانية هي ما يفسد فرحة الفوز

ويقول أبو سليمان: بعض الجماهير هي من تفسد فرحة الفوز نتيجة تصرفاتهم الصبيانية كتكسيرهم للسيارات في الشوارع وممارستهم التفحيط وقيامهم بأعمال الشغب كتعبير عن الفرحة بالفوز.. والبعض منهم يعبر عن فرحته بالكتابة على جدران المنازل والأماكن العامة مما يشوّه المنظر كتصرف غير حضاري.

التحلي بالروح الرياضية يسد فجوة بين الرياضيين

ومن جانب آخر أكد سالم المزيني أن سبب التعصب والخلافات بينه وبعض أصدقائه هو غيرتهم من تصدُّر فريقهم للبطولات فعند كل فوز يبحثون عن سلبيات فريقه ليفسدوا عليه فرحة الفوز.. ويتحججون بأن الفوز ما كان إلا نتيجة تغاضي الحكم عن أخطاء فريقه مما يجعل بينهم فجوة لا يمكن سدّها إلا بالتحلي بالروح الرياضية.

وأضاف سالم قائلاً: يجب على وسائل الإعلام المشاركة في التخفيف من هذا التعصب كاستضافة لاعبين من فرق متنافسة في برنامج واحد ليتضح عند الجماهير أن اللاعبين تجمعهم صداقات.. وليس كما يعتقدونه.. أو كما يُقال على ألسنتهم من خلافات ومشاكل يختلقها بعض الحاقدين، بالإضافة إلى عدم إثارتهم لقضايا رياضية وتكبيرها من باب استقطاب شريحة أكبر من القراء والمتابعين لصحفهم وبرامجهم.

الفتيات يشاركن الشباب التعصب

ومن جانب آخر أكدت إحدى الطالبات بالمرحلة المتوسطة بأن التعصب الرياضي أخذ نصيبه لدى الطالبات في المدرسة سواء من جهة المشاحنات بين الطالبات من أجل فريق أو أحد اللاعبين أو من جهة الملابس والإكسسوارات أيضاً التي طغت عليها ألوان ملابس وشعارات الأندية الرياضية وأرقام فنائل اللاعبين والبعض من الفتيات يقوم بتشجيع أحد الأندية من باب تقليد زميلاتها بالمدرسة.. أو أحد قريباتها تماشياً مع موضة هوس تشجيع الأندية.. فيما أن البعض منهم أصبح تعصبها تجاه اللاعب نفسه من باب الإعجاب بعيداً عن تشجيعها للفريق بأكمله.

يجب أن لا يخرج بوسائل الإعلام من يقوم بعملية الشخصنة

وعن ظاهرة التعصب الرياضي أكد الدكتور منيع المنيع من كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قائلاً: لا شك بأن التعصب الرياضي جزء من شخصية الإنسان الانفعالية والوجدانية ومثله مثل التعصب الديني والتعصب القبلي وغيره من أنواع التعصب والتي تُعتبر أشد خطورة من التعصب الرياضي وكلها مجتمعة وتشكل جزءاً من شخصية الإنسان الانفعالية.. وهذه الشخصية عادة ما تكون غير متوازنة.. وقد يكون النمو الجسمي للإنسان والعقلي والمعرفي متحققاً بصورة جيدة لكن النمو النفسي قد يكون فيه قصور إلى حد كبير.. وهذا ما يجعل مشاعر الإنسان وأحاسيسه وحبه وكرهه يتعدى الحد المعقول لأنه نقص في بعض جوانب شخصيته.

وأردف المنيع قائلاً: السبب وراء ذلك هو أن العملية التعليمية بشكل عام لا تعطي المتعلم فرصة لأن ينمو نفسياً وانفعالياً ولا تتاح له فرصة المشاركة وإبداء الرأي.. وإنما هو ملقن ويُعطى ما نريده ولا يُعطى ما يريده هو، وهذه الإشكالية تجعله كاتماً لمشاعره وأحاسيسه وباستمرار هو منصت.. ولكن متى ما أُتيحت له فرصة الحركة ولو كانت في غير محلها لتحرك مثل التفحيط فهو عبارة عن تنفيس عن الانضباط اللا معقول في المدرسة والذي لا يعطي المتعلم ولو أبسط أنواع الحرية في الحركة والأنشطة ومزاولة ما لديه من ميول وقدرات.. وإنما هو محكوم بمنهج وعملية تعليمية تلقينية لا تتعدى اعتباره حافظاً كالآلة التسجيلية.

وأكد المنيع أن التعصب الرياضي هو أبسط أنواع التعصب إذا ما قارناه بالتعصب الديني والفكري وغيره من أنواع التعصب فهو يحتاج إلى تنشئة معتدلة بحيث إنك أولاً تحترم آراء الآخرين وتحترم مواقفهم وأعوِّد الطالب من المرحلة الابتدائية أن يحترم رأي المخالف والخصم، وثانياً يمكن أن تبرز في ذهن المتعلم من خلال الأنشطة المدرسية التنافس الشريف وكيفية أن تجعل الطالب يقبل الهزيمة مثل ما يقبل الانتصار كأن يعتبر الطرف الآخر مثله ولا يحتقر أحداً ويبارك له أيضاً.. وهذا يكون في أبسط صورة في المنهج المدرسي كأن أعوّد الطلاب في المسابقات على الربح والخسارة وأعوّدهم على التنافس الشريف في الامتحانات أيضاً من خلال تقويم وضعه وهناك جوانب يجب أن تنشأ مع شخصية الفرد منذ صغره، أما إذا تركنا هذه الشخصية سائبة وملقنة ولا يتاح لها فرصة في التعبير والعطاء وإبداء الرأي والحوار.. فهنا سوف يلجأ الإنسان إلى أن يعيش في نوع من العزلة ويعبر فيه عن مشاعره متى ما أُتيحت له الفرصة وبخاصة في المجالات التي تكون فيها الفوضى سهلة ويكون فيها التنفيس من مصدر مجهول مثل المنافسات الرياضية التي يختلط فيه الحابل بالنابل وتعمها الفوضى.. ولكنك تجد هذا الشخص يخفي نفسه في المواقف الأخرى ولا يستطيع عمل هذا الشيء لأنه مشاهد ومعروف.

وتابع المنيع قائلاً: الإعلام له دور فيجب أن لا يخرج بوسائل الإعلام من يقوم بعملية الشخصنة.. وهي أن يعبّر الشخص عن ما في نفسه وإنما يجب على الشخص أن يراعي الذوق العام.. ولا بد له أن لا يفعل قناعاته الشخصية وأن لا يثير الآخرين وأن تكون محايداً وتحترم مشاعر الآخرين وأن لا تشعرهم بأنك استغللت فرصة الظهور لكي تهاجمهم.. كما يجب على الإعلام أن لا يظهر بوقت الذروة.. وإنما يظهر بوقت الوقاية بحيث يعود المتلقون على التنافس الشريف والطرح المعقول وليس كما تجد في بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة الآن حيث إن بعض الإعلاميين ينفسون عن الكثير من مواقفهم تجاه نادٍ أو شخص معين.. ومن هنا تبدأ العداوة والفعل وردة الفعل، لكن إذا نظرت نظرة متعقلة بعيدة كل البعد عن المنافع الشخصية واستغلال المواقف والتقرب لفلان كرئيس نادٍ أو لاعب فسوف تغرس وتعطي مثالاً للموقف المحايد، كما لا نغفل أن المسجد له دور لأن التعصب الرياضي هو نمط حياة مثل التعصب الديني والمذهبي.. فالخطاب الديني يجب أن يكون معتدلاً ويحترم الآخرين في حدود الدين.. وما جاء به القرآن والسنة.

وعوَّل المنيع المسؤولية الكبيرة تجاه التعصب أنها تقع على المدرسة فهي لا بد أن توجد المتنفسات من خلال البرامج الفاعلة والزيارات والأنشطة التي ينفس الطلاب من خلالها عن ما في أنفسهم ويجب أن يكون التنافس متنوعاً كالمسابقات القصصية والمساجلات الشعرية وليس في مجال الكرة فقط.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد