الأفراد يختلفون فيما بينهم في مستوى طموحهم.. فمنهم الواقعي الذي يضع لنفسه مستوى قريباً من مستوى استعداداته وقدراته، ومنهم من يبالغ في تقدير نفسه أو في التقليل من شأنها.. فتجد أن أهدافه وطموحاته ورؤاه تدور بين (الإفراط أو التفريط)، لذا فكثيراً ما يكون المرء في واقعه الحقيقي هو السبب الرئيس وراء إحباطه وفشله في تحقيق أهدافه وإرضاء حاجاته.. وخصوصاً عندما يضع لنفسه أهدافا خيالية مستحيلة التحقق لا تتفق مع استعداداته وقدراته!! نعم وللأسف كم من أناسٍ يرتفع بهم طموحهم إلى مستوى يفوق بكثير مستوى كفايتهم الأدائية فلا يراعون في أهدافهم وواقعهم الذاتي مستوى كفايتهم ومواهبهم، فلا يجنون من وراء تلك الأهداف البعيدة المنال أو المستحيلة بالنسبة -(لوضعهم الخاص بهم)- سوى الإحباط المعنوي والهم النفسي وزعزعة الثقة بقدراتهم الحقيقية.. من أجل هذا ينبغي للمرء دائماً أن يقارن ويوازن بين كفاياته الطبيعية وقدرته الأدائية الخاصة والهدف الذي يرنو إليه ويتشوف لتحقيقه.. وقديما قيل (لا يجنى من الشوك العنب) فلا أقل من أن يكون هناك تعادل وتوازن بين مستوى الطموح ومستوى الأداء.. بل إن رجحان كفة المقدرة الأدائية على كفة الهدف المنشود فيه ضمان أكيد (لراحته النفسية) وإبقاء على (اتزان الشخصية والثقة النفسية).. وكم من أناس لا يراعون في أهدافهم وطموحاتهم إمكاناتهم البيئية والاقتصادية.. يتيهون في الصحراء حيارى عطاشى يستبد بهم الخوف والجزع والهم والقلق في كل حين.. نسوا الله وأقداره المكتوبة فأنساهم أنفسهم وحقيقتها.. لذا فإن التوافق السوي وسلامة النفس واتزان شخصيتها يقتضي أولاً: معرفة حقيقة النفس وقدراتها.. ومن ثم إعمال العقل، والموازنة الصريحة والجريئة بين الأهداف المنشودة وكل من الكفايات الذاتية والإمكانات البيئية.. بعد ذلك قبول الفرد للأمر الواقع، والعمل على ضوئه دون خور أو تكاسل (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ) (إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه)، وأيضاً هو مأمور بألا يعمل عملاً فوق طاقته وألا يتمنى أمراً هو فوق قدرته واستعداداته (كل ميسر لما خلق له) (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) ولا يعني هذا كله محاربة الطموح، أو التقليل من شأن المقاصد العالية والهمم الرفيعة ولكن بتوسط واعتدال، وعقل واتزان (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) يقول الدكتور عزيز فريد: (كم من أهداف يمليها الطموح الشخصي.. وكم من أهداف يخطئ الفرد تقديرها تقاس بمعايير تقييمية زائفة، ورؤى ضبابية غير واضحة. وأهداف هذا وضعها تشكل مصدراً قوياً للإحباط، وردة فعل تترك صاحبها في حالة حصر شديدة الوطأة على النفس.. وكل ذلك بسبب عدم إعمال العقل فيما بين الكفايات الذاتية والإمكانات البيئية والأهداف المنشودة) من أجل هذا فإن الشاب إذا أراد أن يجنّب نفسه مثل هذا الفشل والإحباط النفسي أن يعرف حقيقة نفسه ويعرف إمكاناته ويحدد أهدافه في ضوئها بعيداً عن العجلة أو التقليد الأعمى أو الخور والضعف.