إنَّ من علامات الخير للمسلم أن يصلي على جثمانه عدد كبير من المسلمين، وأن يكونوا شفعاء تقبل شفاعتهم، كما جاءت بذلك السنة، إلا أن هذا ليس هو نهاية المطاف، وليس هو الدليل القاطع أو البرهان الصادق على قبول الله للميت من عدمه؛ حيث إن بعض الناس اليوم ينظر إلى مآل الميت من نظره إلى عدد المصلين عليه، حتى أخذ أكثر الناس يؤخرون الصلاة على موتاهم من أجل جمع عدد كبير من الناس رجاء نفع الميت، والحق أن العمل الصالح تعجيل الصلاة على الميت، ولا ينفع عدد المصلين إن لم يكن ذلك الميت قد قدم عملاً صالحاً؛ فهذا خير الورى لم تنفع صلاته على رجل غير صالح (عبدالله بن أبي ابن سلول) بل قد أخبره ربه بعدم قبول الصلاة عليه، (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ( (التوبة:84)، أو الاستغفار له ?اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أو لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:80).
ثم إن كثرة أو قلة المصلين على الميت ليست هي المعيار الحقيقي والميزان الشرعي حتى نثني على هذا، ونذم ذاك؛ فهذا أحد العشرة المبشرين بالجنة عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو مَنْ هو! لم يصلِ عليه إلا ثلاثة أو أربعة أو نفر دون العشرة، وقل ذلك في أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - حيث لم يصلِ عليه إلا تسعة أشخاص، وغيرهما كثير قديماً وحديثاً، ولم يكن آباؤنا إلى وقت قريب يجمعون الناس أو ينتظرون أحداً من أجل الصلاة على فلان. لقد حدثني والدي - يحفظه الله - أنهم كانوا لا ينتظرون أحداً للجنازة، فإذا مات الميت غسلوه وكفنوه، وقالوا لمن حول المسجد أو الجامع: (ترى فيه جنازة)! فإن مات ضحى صلوا عليه ضحى، وإن مات بعد الظهر صلوا عليه بعد الظهر، وكانت النعوش والأكفان في كل مسجد، ولم تكن الصلاة على الميت في مسجد معين، وكانوا - رحمهم الله - يعجلون بالميت مع محبة نفعه، كل ذلك تطبيقاً لوصية رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ حيث أمر بأن يعجل بغسله ودفنه، أما اليوم فتراهم يحبسون جثمان المسلم الميت في الثلاجة أكثر من يوم وليلة؛ من أجل جمع جمهور غفير من الناس، حتى أصبحت تأتيك الرسائل الجوالية من كل حدب وصوب، من مناطق ومحافظات المملكة (سوف يصلى على فلان)، وأنت لا تعرفه ولا يعرفك، ولو أنه كان قريباً، أو جاراً، أو صديقاً أو شيخاً لك، أو تلميذاً، أو له حق عليك أو غير ذلك لكان حسناً أن تبلغ.
كان الصحابة في بعض الأحيان لا يخبرون الرسول صلى الله عليه وسلم إذا مات الميت مخافة المشقة عليه.
فقد توفيت امرأة كانت تقم المسجد (تقوم على نظافة المسجد) ولم يخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بوفاتها مع علمهم أنه يعرفها، فلما علم بعد ذلك قال لهم: (هلا آذنتموني (أخبرتموني)، دلوني على قبرها)، فصلى عليها. مع أن حضوره صلى الله عليه وسلم وصلاته معهم لها طابع خاص، وأثر كبير، ونتائج مؤكدة، ألا وهي (الدعاء المقبول للميت والاستغفار المسموع ).. (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة:103). فكيف يحبس الميت اليوم لحضور من أثرهم ضئيل، أو لا أثر لهم البتة، ولو كان حضور جمهور الناس للميت دليلاً على سعادته وقبول الله له لما جمع الله عشرات الآلاف بل مئات الآلاف! عند تشييع بعض أئمة الكفر والضلالة، وما خبر مايكل جاكسون عنا ببعيد، وغيره من المنحرفين، وأما مقالة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه (موعدكم يوم الجنائز) فهذه إن صحت فتُحمل على مَنْ تسوقهم قلوبهم محبة للميت لعمله الصالح، وسيرته الطيبة، وصدقه مع الخلق والخالق، وليست هي الإعلانات أو الشهرة، أو الرسائل الجوالية، أو المجاملات، أو مخافة العتب، هي التي تسوقهم.
ثم إنه من المعلوم شرعاً أن الصلاة على الميت فرض على الكفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وليست فرض عين، يلزم كل مسلم يعرف الميت أن يصلي عليه. وأخيراً فإن الأولى أن يُصلَّى على الميت حيث مات في البلدة التي يقيم فيها أو المحافظة التي يقطنها، أو حتى في الحي الذي يسكنه، وأن تكون الصلاة عليه في المسجد الذي يصلي فيه؛ ليكون الموت واعظاً، والأثر بالغاً. نسأل الله حُسن الختام.
مدير إدارة الأوقاف بمحافظة المجمعة