هذا هو بالضبط، ما تفعله (الجامعة الإسلامية) في المدينة المنورة.. إرهاب للإرهاب، وكأنها تحاول معالجة المرض بمصل المرض نفسه، إذ لا يصح أن نكتفي بالجهد الأمني الكبير والمبذول في ميدان المعركة مع المتطرفين والإرهابيين
|
طيلة تسع سنين، ولا بالوقوف متفرجين على سجالات المكفرين، وطروحات المتشددين، وفتاوى المحرضين، ثم لا نفعل سوى القول: بأن هذا ليس من الدين في شيء، ولا هو من الإسلام. وهذا كلام -على صحته- نردده ونجتره في خطابنا الديني كثيراً، وقد يكون عند البعض منا، مما هو حق يراد به باطل، لأن الدين الحنيف؛ بريء حقيقة مما يقول به المتشددون، ويمارسه المتطرفون، ويجترحه الإرهابيون، ولكن ما موقفنا نحن من القائلين والممارسين والمجترحين يا ترى..؟!!
|
عندما تلقيت دعوة الجامعة للحضور والمشاركة في المؤتمر، واطلعت على المحاور الرئيسة للنقاش قلت: إن الجامعة الوريثة لجغرافية الخليفة (هارون الرشيد)، بحيث يحق لها أن تقول للسحابة: أمطري حيث شئت، فسوف يأتيني من حيث تمطرين طلاب علم، ويخرج من عندي إلى حيث تمطرين، أساتذة، ورسل سلام ومحبة. هذه الجامعة، تفتح اليوم، نيران الفكر على (تطرف الفكر وفكر التطرف)، في مواجهة تنطلق من إحدى منارات العلم في المملكة، لتبرز بداية موقف المملكة حكومة وشعباً من التطرف، وما يؤدي إليه من إرهاب، وتجلي كذلك دور المملكة في التصدي للأفكار الشاذة، ومحاربتها للأعمال الإرهابية، وتعرض تجربتها الأمنية الناجحة طوال سنوات مضت، ثم تكرس دعم وتعزيز الجهد الأمني، الذي طالما قلنا بأنه ما زال وحده في ميدان المعركة.
|
يكتسب هذا المؤتمر الدولي أهمية كبيرة، كونه ينطلق من جامعة إسلامية عريقة، لها امتداد تاريخي وجغرافي كبير على خارطة الكرة الأرضية كلها، ولأنه يعقد في مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام -المدينة المنورة- ولأنه برعاية سمو الأمير (نايف بن عبد العزيز)، النائب الثاني ووزير الداخلية ورجل الأمن الأول، فالخبرة الأمنية في قضية عصرية خطيرة مثل الإرهاب، حاضرة في مؤتمر يجعل من الفكر؛ محوراً ومرتكزاً لمعالجاته، فالفكر إما أن يكون منتجاً للتطرف، ومؤدياً للإرهاب، أو يكون ناقضاً للتطرف، ومحارباً للإرهاب، وبالتالي داعماً للسلام والتعايش بين البشر كافة.
|
يعالج المؤتمر في جلساته برحاب الجامعة الإسلامية أربعة محاور مترابطة.. ظاهرة التطرف من جهة أسبابها ونشأتها، ومنابع فكر التطرف من وجوه عدة، أهمها: الاجتهاد في الدين من غير أهلية، وشيوع فكر التطرف، واستباحة الخروج على الولاة. ومن حيث إن الإرهاب جريمة عصرية كبرى، فمخاطره على الأفراد والمجتمعات هي في صلب المعالجة، التي تُتوج بتشريح الظاهرتين -التطرف والإرهاب- على ضوء التجربة الأمنية السعودية، والجهود الفكرية المبذولة، من خلال المؤتمرات واللقاءات والندوات، التي تقام بين فترة وأخرى على أكثر من مستوى.
|
لا أعتقد أنه يوجد بلد في هذا العالم، ولا شعب من الشعوب، عانى من متشدديه ومكفريه ومتطرفيه، واكتوى بنيران القتلة والإرهابيين، مثل المملكة العربية السعودية وشعبها، وبالتالي فإن تجربة المملكة والشعب السعودي الناجحة في مواجهة التشدد والتطرف، ومحاربة الإرهاب، هي تجربة فريدة ورائدة، لفتت أنظار دول كثيرة في العالم أجمع، وإذا أصبح لدينا أكثر من بادرة مثل هذه التي تنهض بها الجامعة الإسلامية مشكورة، فنحن إذن نسهم بشكل أقوى في طي صفحات سوداء من تاريخ التطرف الديني، والتكفير البغيض، والإرهاب الخطير، الذي أنهكنا وأضعفنا، وشوه صورة الإسلام في الشرق والغرب، وأذل المسلمين في قارات العالم أجمع.
|
وفي قراءة سريعة لما قال به الأستاذ الدكتور (محمد بن علي العقلا)، مدير الجامعة الإسلامية، فإن الأهداف من عقد هذا المؤتمر الدولي، تنحصر في: (إبراز وسطية الإسلام واعتداله وتسامحه مع الآخر، وتوضيح وجه الخطأ في نسبة الإرهاب إليه نتيجة انحراف بعض المنتسبين إليه، وبيان أن الإرهاب من جرائم العصر، وأنه لا دين له ولا وطن، وإثبات براءة الإسلام منه فكراً وسلوكاً، والمعالجة الفكرية للإرهاب، حتى تتواكب مع المكافحة الأمنية، وتعزيز الأمن الفكري في المجتمعات الإسلامية، بإذكاء روح التسامح، وترسيخ قيم التفاهم، ونشر أدب الخلاف وثقافة الحوار).
|
إن عزم المملكة وحزمها، ومن ثم حسمها في مسألة ظاهرة التطرف والإرهاب، ظاهرة للعيان قولاً وفعلاً منذ البدء، فالملك المصلح (عبد الله بن عبد العزيز) -حفظه الله- يقول: (لا مكان للإرهاب إلا الردع الحاسم له ولكل فكر يغذيه، ولكل رأي يتعاطف معه).
|
وسمو ولي العهد وزير الدفاع والطيران، الأمير (سلطان بن عبد العزيز) يقول: (المملكة أكدت رفضها وشعبها للإرهاب بكافة صوره وأشكاله).
|
وسمو النائب الثاني وزير الداخلية، الأمير (نايف بن عبد العزيز) يقول: (نتوقع من الإرهاب كل شيء، ولكننا نؤكد أننا سنقضي على كل من يهدد أمن المملكة).
|
ومن رحاب الجامعة الإسلامية -حيث ينعقد مؤتمر دولي لمعاجلة التطرف الفكري والإرهاب- أقول: إن التشدد شر، وإن التطرف شر، وإن الإرهاب، أشر الشرين، ولا خلاص لنا من هذه الشرور مجتمعة، إلا بمواجهة حازمة وحاسمة على الصعيد الفكري، مثلما هي على الصعيد الأمني.
|
ما أصدق الشاعر العربي الذي قال:
|
والشر إن تلقه بالخير.. ضقت به |
ذرعاً.. وإن تلقه بالشر ينحسم |
|