أحد كبار السن رحمه الله يقول لمن يشكو عليه الحال وقلة الحيلة (من له عينين ورأس يفعل كما يفعل الناس) البصر والبصيرة التي يمثلها العقل، بمعنى أن لنا في تجارب الآخرين الكثير من الحلول أو الوصول إلى ما نبتغي، مع اخذ الحذر واختيار الأصلح والنافع، هذه العبارة تذكرتها وأنا أتجول في ردهات معرض الفنون الحديثة (آرت دبي) الذي تشرفت للمرة الثانية بدعوة من المسئولين عنه لحضور المؤتمر الصحفي المرافق وتغطية افتتاحه الذي تم على شرف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
أعود لتلك العبارة التي رافقتني طوال تجوالي ومروري على الموقع المخصص لقاعة (اثر) القاعة الوحيدة من المملكة العربية السعودية التي تشارك أيضا للمرة الثانية بأعمال تنطبق مع عبارتنا السابقة، إذ شاهدت في هذا الحيز من المعرض أعمالا للزملاء التشكيليين المشاركين من المملكة لا تقل بأي حال عن ما تم عرضه في بعض القاعات التغريبية التي تجاوز عددها السبعين جاليري (صالة عرض) عالمية وعربية سبقتنا كثيرا تنوعت وتعددت فيها الوسائط والخامات وسبل التعبير فكرا وتقنية واستقطبت فنانين عالميين وفنانين عرب مشهورين عالميا، كما كان للزملاء في مجموعة (حافة الصحراء) Edge of Arabia حضورا تعريفيا اكتفى المعنيون فيها باقتطاع حيز من المعرض لعرض فكرة المجموعة والاسم عبر الكتيبات والبوسترا، هذه المجموعة التي يقوم على التنسيق فيها وإدارتها السيد ستيفن ستابلتون بمشاركة 17 فنانا وفنانة سعودية أقيم لهم قبل عامين أول معرض في العاصمة البريطانية تلاه عدد من المحطات منها معرض في الرياض.
نعود للعبارة أو الشاهد في هذا الموضوع وهو أننا ملزمين أن نتعامل مع كل شيء جديد تبعا لسنة الحياة التي تتطور لحظة بلحظة خصوصا أن ما يعنينا جزء من النشاطات الإنسانية التي تبنى بها الحضارات وتتطلب الحركة والتنوع ومسابقة الزمن، إذا فمن لديه عينان ورأس يحق له مع انه مجبر لا بطل بان يفعل ما يراه مطلبا في مجاله ومن ذلك ما يعيشه الفن التشكيلي من علاقة يومية بأدواته وما يمكن أن يتلقاه من سبل التغيير والتبديل نحو الأفضل للحاق بواقع الفن العالمي الديناميكي الحركة والتفاعل المتماشي مع ظروف الحياة ومؤثراتها والتعبير عن لحظات الصدمة التي عمت كل جزء في عالمنا مما دفع الفنان إلى البحث عن الأكثر تأثيرا وتعبيرا عن هذا الواقع المأساوي مع ما يمكن اقتناصه من لحظات الأمل والتفاؤل.
لقد جمع معرض (آرت دبي) مختلف النماذج لكل الأذواق وتعددت فيه وجبات البصر والبصيرة بين مفاهيمي وفراغيي وفنون رقمية منها التصوير الفوتوغرافي والفيديو أرت إضافة إلى الفنون الواقعية والرسم بمختلف سبله التقليدية، إلا أن المشهد العام يتجه نحو الفكرة أكثر منها شكلا تسجيليا وإلى اقتناص اللحظة وحبس الدهشة ليعود المتلقي إلى مرحلة الاجترار وإعادة ترتيب تلك الصور والمشاهد وتفسيرها وهذا ما يجعل المعرض متألقا دوما..
والواقع أن ما شاهدته في هذه الدورة الرابعة والدورة الثالثة في سياق دورات معرض (آرت دبي) أوجد لدي القناعة أن فكرته صائبة يمكن من خلالها تسويق العمل الفني بشكل منظم عالمي السمعة خليجي المولد والمنشأ وبذلك يكون متوازنا وهادفا ومهما للفنان، ويبقى القول إن الزمن الحالي يعتمد على مسارين الأول جهود الفنان الذاتية للوصول إلى القاعات المعروفة والشهيرة التي كان لبعضها حضور في هذا المعرض، والمسار الآخر اهتمام دور العرض أو قاعات الفنون التشكيلية باستقطاب الفنانين كما فعلت قاعة (اثر) وبما تحملته من أعباء ستعود لها بالنتائج الإيجابية ومنها الشهرة العالمية وصناعة الفن السعودي الحديث مع ما كنا نؤمله من الأستاذ حمزة صيرفي من أن يستعين برأي من لهم تجربة سابقة في الساحة المحلية ومعرفة بما يدور في العالم ليشاركوه في كيفية اختيار الأسماء التي لها سابق خبرة ولديها أعمال تجمع بين الحداثة وروح الثقافة المحلية وتجارب عالمية سابقة (مع احترامنا واعتزازنا بما قدم من أعمال هذا العام).
لقد لفتت نظري قاعة تخصصت في أعمال الفنانين الإماراتيين منهم الفنان عبد القادر الريس وعبد الرحيم سالم والدكتورة نجاة مكي وعلي حسن التي قدم فيها لهؤلاء الرواد إبداعات تحمل خصوصيتهم ومصادر إلهامهم مهما اختلفت السبل والوسائط، تأتي أيضا قاعة الاتاسي بسوريا تحمل رسالتها عبر أعمال الفنان يوسف عبد لكي متمسكة بمسارها الذي عرف عنها بتقديم فن عربي معاصر.
الحديث يطول ولنا في قادم الأيام عبر الصفحة ومن خلال الصور ما يمكن كشفه بشكل أكثر قربا لواقع المعرض.
monif@hotmail.com