Al Jazirah NewsPaper Thursday  18/03/2010 G Issue 13685
الخميس 02 ربيع الثاني 1431   العدد  13685
 

لن نرحل عن زورقك وإن أبحرت بلا ماء!!
د. عبدالرحمن بن إبراهيم الدريس *

 

عبثاً، مثلي يحاول أن يقلب أوراق الشيخ عبدالله بن إدريس، المربي والإداري والصحفي والشاعر والإعلامي والأديب، فخمسون عاماً من الإبداع الفكري أمضى نصفها على سدة أكبر نادي أدبي بالمملكة، ودواوين بذائقية: «في زورقي»، «إبحار بلا ماء»، «أأرحل قبلك أم ترحلين؟»؛ تجعل من هو أقدر وأعلم مني أولى بتقليب تلك الأوراق.

أما عبدالله بن إدريس الإنسان الغني بحميد الخصال، فهو من تزهو أحرف قلمي بالعروج على بعض الملامح المنتقاة من إنسانيته، مستهلاً كل ملمح ببيت شعر من نظمه.. فمن هو عبدالله الإنسان؟!

يا مسجداً طاب المقام بظله

وزكى الشعور بروضه تبجيلا

درس على الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم -رحمه الله- قبل أن يتخرج في كلية الشريعة واللغة العربية بالرياض؛ فكان وما زال مثاراً للإعجاب في قدرته على الفصل بين جدلية الأدب والإعلام وبين حياته الروحانية.

فهو مستقيم الفكر، نقي السريرة.

يسبقه كل من في مجلسه حين يكون الحديث دنيوياً، ولكنه يسبقهم جميعاً إلى الميضئة حين يُصدح بصوت الأذان.

تخاله أكثر الناس هدوءاً حتى يُغتاب أحد في حضرته؛ فينتفض ناهياً حتى ترتعد فرائصك من حزمه..

إنه عبدالله الورع!!

أبني إن أباكمو قد أكهلا

وطوى المسافة مسرعاً متعجلاً

كان مختلفاً عن معظم الآباء من أقرانه في حاضرة نجد، فلم تكن الشدة منهجاً لتربية أبنائه، بل كان يلاطفهم بأبوة حانية يندر أن توجد في ذلك الزمان الجميل في كل شيء إلا في صلافته! فبحسب أبنائه، كان العدل بينهم أميز ملامح أبوته، دون اعتبار لأسنانهم أو تفاوتهم العلمي والأدبي.

وبرغم صعوبة الإحكام على زمام الأمور مع الأبناء صغيري السن حديثي التجربة، إلا أنه كابد ما كابد حتى استتب له الأمر وكان له ما أراد.

فلما ألِفو الصراط؛ أصبحوا يزاحمونه نجاحاً أدبياً وإعلامياً ما كان ليكون لولا صبر وحكمة عبدالله الأب!!

أأرحل قبلك أم ترحلين

وتغرب شمسي أم تغربين

حين أبدع في قصيدته «أأرحل قبلك أم ترحلين؟» علا صرير الأقلام إعجاباً وتعجباً من بوح عاطفي لم تعتده فئة تشح بمشاعر الوفاء، فكيف بهذا البوح على رؤوس الأشهاد! إنها قمة الوفاء ووفاء على سفح القمة منه لشريكة حياته ورفيقة دربه، مستشعراً دورها في كل أمر رامه فناله.

كانت له كل ما أراد؛ فصار لها عاشقاً ثمانينياً يخشى الفراق..

ذلكم هو عبدالله العاشق!!

أعيش بالحب في سنتي وفي صحوي

وأزرع الود مشروباً ومأكولا

إذا ألفيت مجلسه الأسري، كبيراً كنت أم صغيراً، تراه من لحظة إبصاره لك متهلهل الأسارير، يتحامل على ركبتيه قائماً يسبقه في ذلك هشه وبشه؛ حتى يساورك الشعور بأنك عريس في مجلسه! وبالرغم من اشتهار حافظته بعجزها عن ملاحقة إبداع حرفه، إلا أنها تنشط حين يتعلق الأمر بأسرته؛ فتجده يغيب عن ظهر قلب أفراد أسرته من كهلهم إلى رضيعهم، مستذكراً بدقة متناهية أين يدرسون أو يعملون، بل أنه يحتفظ لكل فرد منهم بقصة أو نادرة خاصة به..

إنه العم عبدالله!!

أنا ما حييت فشيمتي تأبى التملق والخداع

هل مبدئي غير الصراحة والنزاهة في الطباع؟

عُرف بغيرته الشديدة على وطنه، واستماتته في الدفاع عنه في كل المحافل والمنتديات الأدبية العربية، إلا أن هذا لم يمنعه من أن يكون حازماً في الانتقاد حين يستلزم الأمر.

وبين الاستماتة في الدفاع والحزم في الانتقاد ظل طرحه عقلانياً متوازناً لا مائعاً ولا مرجفاً؛ فكان له ذلك التقدير لدى ولاة الأمر، فبعد تشريف سلمان الوفاء لحفل تكريم أسرة الدريس لعميدها، ها هو ملك الإنسانية يمنح جائزة شخصية العام في مهرجان الجنادرية..

لعبدالله المواطن!! عبدالله.. أيها الإنسان الورع، والأب العاشق، والعم المواطن..

لمثلك، فليكل المديح، وليجزل الثناء، فمن لم يصب إلى المديح والثناء يوماً؛ أجدر أن تساقا إليه يوم تكريمه! يا شخصية العام، ما تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلا وسام شرف لك ولأسرتنا قاطبة؛ أفبعد هذا نرحل عن زورقك وإن أبحرت بلا ماء؟!

* أكاديمي سعودي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد