من خلال تعاملات (الأولين).. بل عادات وتقاليد وتعاملات البشر بشكل عام.. تنطلق أمثلة وحكم تتسرّب بين الناس.. ويتحدث بها الناس وتجري على ألسنتهم في كل مناسبة.
من الأمثلة.. أو من العادات التي تطلق اليوم على بعض الأشخاص.. قولهم (فلان ما يُوفي) وهذه الكلمة.. كنا نسمعها منذ سنين لكنها اليوم.. أكثر وأكثر.
فبعض الناس.. أثقل ما عليه.. هو أن يسدّد ديناً.
تجده يتهرَّب من الدائنين ويماطل في حقوقهم حتى لو أنه يملك أضعاف أضعاف ما هو مديون به.
فالهروب عن أداء الحقوق والمماطلة والتلاعب بحقوق الناس.. هي مع الأسف (طبع) راسخ في تعاملات بعض الناس.. وجزء من تركيبته وجزء من سلوكه.
يأخذ القرض أو السلف أو الدَّين..
يأخذ أموال الآخرين.. وقد استقر في ذهنه.. وصمَّم داخل نفسه.. على أنه لن يُوفي هذا الحق.. ولن يسدده.
وقبل أيام.. أدرت مؤشر الراديو على إذاعة القرآن الكريم.. فسمعت خطبة سماحة مفتي عام المملكة العلاَّمة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ وكانت عن (هم الدَّين) وعن الديون وعن المماطلة في حقوق الآخرين.. وكانت خطبة رائعة ليت الجميع سمعها.. ولكن مما قاله سماحة الشيخ.. أن عليك أن تُوفي الالتزامات المالية للآخرين في هذه الدنيا قبل أن تموت ويأخذوا حسناتك في الآخرة وأنت في أمس الحاجة إلى هذه الحسنات التي سيتقاسمها الناس (الدَّيَّانة) يوم القيامة وهذا شيء مخيف بالفعل.
الفلوس تزول.. والعمر يفنى.. والحياة كلها.. بزخارفها وجمالها.. وكل ما فيها زائلة.. ولكن الخوف.. كل الخوف.. على حسناتك يوم القيامة.. عندما يأخذها غيرك.. لأنك ألحقت به ضرراً.. أو أكلت ماله.. أو أسأت إليه.
بعض الناس.. لا يمكن أن يُوفي ما عليه حتى لو كان مبلغاً بسيطاً ويظل يماطل ويماطل حتى لو أنه يملك أضعاف هذا المبلغ.. لكنه يراوغ ويماطل حتى يتم جرجرته في الشرطة والمحاكم و(تقطيع جِلْده) في المجالس.. ثم يضطر إلى الوفاء اضطراراً.. و(وشُّوا بعدِه؟!) كما يقول العوام.. بعد أن يخاف السجن.
فعدم الوفاء.. طبع وعادة وسلوك وهو كما يقول العوام (ردي ذمة) أو (فلان ما له ذمة) بمعنى.. أنه يأكل حقوق الآخرين بأي شكل.. سواء من خلال عدم سداد الديون أو محاولة أكل أموال الناس بالباطل بأي وجه.. وبأي شكل كان.
وفي المقابل.. هناك من لا يمكن أن ينام وعليه ريال واحد.. حتى يتم سداده.
هناك أناس آخرون.. لو كان عليه مبلغ ولو بسيطاً.. لأثَّر على نفسيته وحياته.. وظلّ أسيراً له.. يأكل ويشرب معه حتى يوفيه.. ذلك أنه يدرك خطورة الدين.. فالمصطفى صلى الله عليه وسلم.. رفض الصلاة على الصحابي المديون وقال (صلوا على صاحبكم) حتى جاء آخر واستعد لوفاء كل ديونه.. وعندها قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (الآن.. خُفّف عنه) فصلى عليه صلى الله عليه وسلم. وهذا يظهر أهمية وخطورة الدَّين الذي يستهتر به البعض.
وهناك رجال مشهورون بالكرم والشهامة والوقفات و(الفزعات) وعلوم الرجال.. والمشلح يسحب والمرزام يذبح العصفور وتسمع (لعلعة) صوته في المجلس من مسافة بعيدة ولكن (عذروبه) كما يقال (ما يوفي) وهذه مشكلة كبيرة و(عذروب) كبير.. بل (يقطع الوجه) كما يقول العوام.
فاحذر.. احذر أن تكون من هؤلاء الأشخاص الذين يقال عنهم.. فلان (ما يوفي).
وكثيراً ما يتحاذر الناس عن شخص (ما) فيقولون.. انتبه.. اهرب.. (انحش) (هِجْ) عنه لا يحوشك (تراه ما يوفي).