للتعدادات السكانية دوافع متعدّدة يأتي في مقدمتها الرغبة في معرفة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للسكان المراد تعدادهم، ويرتبط أمر التعداد السكاني بدءاً بتشريعات الدول في أنحاء المعمورة.
وتكمن أهمية التعداد السكاني في أمرين أساسيين: أولهما يتعلّق بالنظم الوطنية والتشريعات والآخر له ارتباط بما تنفقه الدول من أموال على مناحي التنمية ومتطلّبات شعوبها، وليس هذا فحسب بل إنّ قوة الدول تستمد من التعداد.
أما الجانب السياسي للتعداد فله أهمية أكثر من أي وقت مضى، سواء أكان الحديث عن دول آسيوية أم أوروبية أم الدول الإفريقية، ولهذا قد توضع سمعة الدولة، فيما له علاقة بالتعداد، على المحك، لما قد يتكشّف من أمور نتيجة للتعدادات السكانية. ومن المشكلات المرتبطة بالتعداد ما يتعلّق بإنقاص العدد الإجمالي للسكان، وقد يكون ذلك لأغراض سياسية تستهدف شرائح من المجتمع، مثل: الفقراء والشباب والأقليات وذوي التوجُّهات السياسية و الفكرية.
وحتى بالنسبة لدول الغرب، فهنالك مشكلات ترتبط به، إذ لم يعجب الكونجرس نتائج التعداد الذي أجري في الولايات المتحدة عام 1920م بسبب إبرازه لأهمية المناطق الحضرية وهيمنتها. من ذلك يمكن الاستنتاج أنّ للتعداد دوراً في الإشارة إلى مواطن القوة والضعف في المجتمع، والتي قد لا ترضي بعض فئاته. وعلى الرغم من أنّ التعدادات السكانية تتجه نحو الدقة باستخدام التقنية في زماننا هذا، تظل شرائح من المجتمع، من الشباب والفقراء والأقليات، من الصعوبة عدّها بسبب ظروفها الاجتماعية والاقتصادية، إذ تتكدّس بعض أفرادها في مساكن متدنية إن لم تكن متهالكة، وتصبح عملية العد صعبة بسبب ذلك، وينطبق ذلك على المناطق النائية والصحراوية.
ومن فوائد التعداد السكاني كشفه لحقائق لم تكن معروفة من الناحية الديموغرافية، فعلى سبيل المثال كشف تعداد عام 2000م زيادة في الحجم السكاني لبعض المدن الأمريكية، منها مدينة شيكاغو، التي كان يظن أنّ سكانها يتقلّصون، كما دل التعداد نفسه على أنّ ولاية كاليفورنيا تحوّلت إلى ولاية تهيمن فيها الأقليات عددياً. أما الديموغرافيون والباحثون الآخرون فيتطلّعون دائماً إلى تحليل الأرقام الناتجة من التعدادات السكانية للخروج بنتائج واستنتاجات دقيقة وذات فائدة.
ومن النواحي التي قد تخفى على البعض، بما في ذلك المعنيون بشأن التعداد، أنّ عدم تقبُّل فئات في المجتمع مبدأ التعداد لخشيتها من استعماله للمراقبة المجتمعية، ومن ذلك: القادمون الجدد، أو المهاجرون، الذين يصطحبون مخاوفهم التي كانت لديهم في بلدانهم الأصلية. ولقد نهجت بعض الدول المتقدمة ببعث قوائم التعداد إلى الناس عن طريق البريد، أو تعبئتها من خلال الشبكة العنقودية (الإنترنت)، ويقدر أنّ الاستجابة بأي من الوسيلتين، تتراوح ما بين 60-70 في المائة من السكان، أما البقية فتجمع البيانات منها ميدانياً. وستظل نسبة، في حدود 2 في المائة إن لم يكن أقل من ذلك، لن تجمع عنها بيانات مطلقاً، هذا على أحسن تقدير، ويقال ذلك فقط بالنسبة للبلدان المتقدمة. أما الدول النامية فأمامها طريق طويل من التحديات في هذا الشأن.
للتعداد أهمية اجتماعية - اقتصادية إذا أحسن استخدام النتائج المترتبة عليه من الناحيتين النوعية والكمية. أما المنادون باستخدام العينة بدلاً من التعداد الشامل، فهذه مسألة مختلف عليها: هنالك من يرى أنه بالإمكان الحصول على معلومات عن السكان بطريقة العينة العشوائية والتوصل إلى نتائج دقيقة وبتكاليف مالية أقل بكثير من أسلوب العد الشامل، مع دقة أكثر من التعداد. ولم يأت الاعتراض على الطريقة العينية من المتخصصين، بل جاء من السياسيين الذين يخشون ألاّ تأتي الأمور في صالح ناخبيهم، ومثال على ذلك ما حدث في بلد مثل الولايات المتحدة، إذ عارض الجمهوريون ضد استخدام الأسلوب العيني للحصول على معلومات عن السكان بدلاً من التعداد الشامل لأسباب سياسية خوفاً من خروج بيانات لا تخدم مصالحهم السياسية، وكانت خشيتهم من أن يكون عددهم أقل من الديمقراطيين.
و تحوّلت تدريجياً مسألة التعدادات السكانية إلى قضية سياسية أكثر من شيء آخر، فهنالك الأقليات والفقراء والذين لا مأوى لهم والمهاجرون والشباب، الميّالون للمعارضة السياسية. أما الذين لهم توجُّهات أيديولوجية فلا يريدون الكشف عن خصوصياتهم، معتقدين أنّ المعلومات التي يحصل عليها سوف ترسل إلى جهات أمنيه أو جهات مسؤولة عن الضرائب. أما ما يتعلّق بتوجُّهات الناس وتعاملهم مع العدادين أو الباحثين أو جامعي البيانات، فمن الملاحظ أنّ بعضهم ينسحب من العمل بعد التجربة الأولى أو الجولة الأولى من التعداد.
وهنالك من يعترض على التفاصيل المضمنة في استمارة التعداد ومن ذلك ما يتعلّق بتاريخ الولادة، إذ البعض يرى عدم ضرورة المعلومات التفصيلية التي تحتويها. أما ما يتعلق بما تتضمّنه استمارة التعداد من معلومات فلقد توجّهت بعض الدول إلى تقليص الأسئلة التي تحتويها، فمثلاً بالنسبة للتعداد السكاني المقبلة عليه الولايات المتحدة لعام 2010م تحتوي استمارته على عشرة أسئلة فقط. بينما احتوت استمارة التعداد المزمع تنفيذه للعام نفسه في المملكة العربية السعودية على 48 سؤالاً، منها 19 سؤالاً تتعلّق بالبيانات الجغرافية، و 19 سؤالاً تختص بالنواحي الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، و8 أسئلة تتعلّق بالخصائص السكنية وسؤالان عن خصائص الأسرة.
ويبرر السبب في تقليص عدد أسئلة الاستمارة لتسهيل الإجابة وتشجيع المبحوثين على تعبئتها. و مرد هذا التباين الكبير فيما يتعلّق بعدد الأسئلة في الاستمارة بالنسبة للمملكة وأمريكا، لكون المعلومات التفصيلية عن المجتمع تؤخذ في الولايات المتحدة كل ثلاث سنوات عن طريق أخذ عينة يصل حجمها إلى ثلاثة ملايين من أرباب الأسر، وهذا ما يعرف بالمسح المجتمعي، وقد تصل الأسئلة إلى 50 سؤالاً. ويسأل الناس عن أشياء تتعلّق بمساكنهم وساكنيها، مثل السؤال عن نظام السباكة المستخدم في المسكن وما يتعلّق بالمياه والصرف الصحي. و يتم المسح المجتمعي في أمريكا مثلاً كل ثلاث سنوات، يتم الحصول من خلاله على معلومات جغرافية شاملة، بينما يشمل التعداد العام 134 مليوناً من أرباب الأسر باستخدام استمارات مختصرة كل عشر سنوات. وتتضمّن الاستمارة المختصرة في مجملها على أسئلة أساسية عن النوع (الجنس)، والعمر، وبعض خصائص المسكن.
وتصرف بعض الدول المتقدمة مبالغ كبيرة على الإعلانات التي تسبق التعداد السكاني، وتكون لهذه الإعلانات دور في التهيئة قبل بدء الحملة التعدادية الشاملة. وبالنسبة لجامعي المعلومات فيدرّبون على معرفة قراءة الخرائط لتسهيل وصولهم إلى المساكن في الأحياء السكنية، ويواجه هؤلاء الباحثون الأمرَين لتنفيذ مهماتهم التعدادية، وقد لا يحصل الباحث على المعلومات إلاّ بعد تكرار الزيارة للمبحوث، والتي قد تصل إلى سبع زيارات. ويدفع للباحثين أجور مجزية مقابل عملهم، ويتوقف بعض العدادين أو الباحثين عن العمل بعد يوم أو يومين من العمل للصعوبات التي قد يواجهها أثناء تنفيذه لمهمته. ومن الصعوبات التي قد يواجهها الباحث أو العداد في المناطق السكنية ذات الأسوار والبوابات الأمنية. كما أنّ بعض الفئات من المجتمع يصعب الحصول على المعلومات عنها مثل الشباب والأقليات، وفي بلد مثل الولايات المتحدة يتوقع أن تستخدم أثناء التعداد 59 لغة بما في ذلك لغتهم الوطنية. أما بالنسبة لنزلاء السجون وطلاب الجامعات، فهناك مشكلة في احتسابهم في المناطق التي يتواجدون فيها أو يتم إضافتهم إلى المناطق التي يقطنون فيها.
ومن الجهات المساندة للتعدادات السكانية ما تقوم به المؤسسات الاجتماعية في بعض البلدان المتقدمة، وهذا ما يعرف بالمساهمة المجتمعية. وتستخدم المعلومات المنتجة من التعداد الشامل في كل ما يتعلق بأموال الدولة، والتي تشمل جميع أنواع الإعانات للمؤسسات التعليمية والصحية والمجتمعية، ويصرف في سبيل ذلك مبالغ تصل إلى مئات البلايين من الدولارات. وهنالك قلق يبديه بعض سكان الولايات المتحدة من ذوي الأصول العربية من تخوُّف استخدام ضغوط سياسية لمعرفة أماكن تواجد هذه الفئات في ذلكم البلد، ويؤكد المسؤولون عن التعداد السكاني لهذا العام سرية المعلومات التي يحصلون عليها وأنها لا تستخدم إلاّ في حدود الأغراض المعلنة رسمياً، ويحتفظ بهذه المعلومات التعدادية ولا تعلن أسرارها إلاّ بعد مضي 72 عاماً من جمعها. وتقوم الجهات المسؤولة عن هذه التعدادات في الولايات المتحدة بتصوير كل استمارة وتخزينها في خازنات حاسوبية ذات طاقة تخزينية عالية.
ومن الجوانب التي يمكن الحرص عليها في زماننا هذا، ما يتعلق بالشأن المروري إذ يسأل الناس عن معلومات تتعلق بتحركاتهم واستخداماتهم لوسائط النقل، العامة منها والخاصة، وعن سلوكياتهم وأنماط تحركاتهم. ولقد تبيّن من بعض الدراسات أنّ حوالي 20 في المائة من الناس لا يرغبون في أسئلة التعداد ولديهم تحفظات على التعداد بشكل عام، لاعتقادهم أنّ ما يؤخذ من معلومات عنهم تجعل خصوصياتهم على المحك.
وفي ضوء ما ذكر يا حبذا لو تختصر استمارة التعداد لتشمل الأمور الأساسية فقط، ويعمل مسح اجتماعي - اقتصادي شامل، عن طريق العينة، كل ثلاث سنوات. ولقد أثبتت تجارب بعض الدول الفوائد الكبيرة من الجمع بين الطريقتين. ونتمنى للحملة التعدادية السكانية في هذا الوطن التوفيق والنجاح وتحقيق المنافع لوطننا الغالي وسكانه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.