يوم غد الأربعاء يفتتح العرس الثقافي «الجنادرية 25». والجنادرية منذ انطلاقتها الأولى كانت مؤشراً يستطيع الباحث من خلاله أن يلمح حرص قائد هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على الحوار والثقافة والانفتاح، والتي أصبحت اليوم أهم عناوين عهده حفظه الله.
ففي كل سنة تتحول الجنادرية إلى موسم ثقافي ثري، يدور فيه من الحوارات والنقاشات، سواء الرسمية والمعلنة منها، أو غير الرسمية والتي تحتضنها المجالس والمنتديات الخاصة. غير أن المثقف أو الإعلامي الذي سيكون أحد ضيوف الجنادرية 25 سيلحظ أول ما يلحظ ثراء الموسم الثقافي لهذا العام وسخونته؛ فالأنشطة الثقافية ستحتوي على حوارات حقيقية، سواء من حيث الموضوعات، أو المشاركين في الحوارات أو الندوات واللقاءات الإعلامية، واختلاف مشاربهم الفكرية والثقافية.
فنحن نعيش في عهد الملك عبدالله حراكاً ثقافياً حقيقياً تشترك فيه كل التوجهات الثقافية المعاصرة دون استثناء؛ حيث ستحتوي هذه المحاضرات والندوات – حسب علمي – على عناوين وموضوعات لم يتم التطرق لها في الماضي، كما أن (سقف الحرية) خلال هذه الفعاليات الثقافية سيرتفع كثيراً؛ وهذا يعني أن موسم الجنادرية هذه السنة سيكون ساخناً، ويُعبر أفضل تعبير عما تشهده المملكة من حراك ثقافي في هذا العصر الزاهر.
وأنا ممن يؤمنون إيماناً راسخاً أن هناك علاقة طردية بين الانفتاح والإصلاح الثقافي وارتفاع سقف المسموح بنقاشه في مثل هذه الفعاليات الثقافية.. وهذا في رأيي أفضل السبل لتفريغ (الاحتقانات) وتعويد الناس على طرح الرأي، وفي الوقت ذاته قبول أن تسمع وتناقش الرأي المضاد. فأنت عندما تلغي الفكر الآخر، وتفرض رأياً واحداً على المجتمع، وتمنع أي رأي آخر مغاير، مهما كانت المبررات، فإنك - دون أن تعي - تخلق مجتمعاً ثقافياً منغلقاً ومعزولاً وفي الوقت ذاته (مأزوماً) لا يمكن أن يكون قادراً عملياً على التعامل مع معطيات الثقافة المعاصرة، حيث ألغت تكنولوجيا الاتصالات والإعلام الفضائي، ناهيك عن الإنترنت، قدرة الدول على العزل الثقافي؛ وبالتالي فليس أمامك إلا الرضوخ لمعطيات هذا الواقع الجديد، والتعامل معه حسب شروطه، وليس شروطك؛ وهذا يعني أن يتعود السعوديون على أن الطريق الصحيح لمواكبة هذه المتغيرات هو مواجهة الكلمة بالكلمة، والرأي بالرأي، وليس بالمنع أو الإقصاء وتحدي التغيرات.
وكان سمو الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده سموه الأسبوع الماضي قد أعلن عن موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على تبني جائزة عالمية للباحثين والمهتمين بمجال التراث والثقافة على المستوى العالمي يكون اسمها (جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للتراث والثقافة)، وسوف تنقسم هذه الجائزة إلى جائزتين: واحدة باسم (جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للثقافة) والثانية (جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للتراث). ومثل هذه الخطوة، يعني أن الجنادرية ستنتقل من (المحلية) إلى (العالمية)؛ بمعنى أننا سنسعى إلى الخارج، ونقيم الجسور مع الآخرين كي تكون ثقافتنا وتراثنا جزءاً من العالم؛ فلم يعد بالإمكان التقوقع، ورفض الخروج من الشرنقة، وتحدي عصر العولمة الذي حطم كل الأسوار؛ كما ينادي ضمنياً بعض دعاة التكلس والانكفاء على الذات.
الجنادرية هذا العام ستكون بالفعل (غير) قلباً وقالباً.
إلى اللقاء.