قال جل شأنه وتباركت أسماؤه وتنزّهت عن الأشياء صفاته في محكم التنزيل:?تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ? سورة الملك (1، 2)، فما الدنيا إلا دار ابتلاء، أما الآخرة فهي دار الجزاء، حيث يوفى الصابرون جزاءهم بغير حساب، ويجزى الذين صبروا بأحسن ما كانوا يعملون.
قرأت نبأ وفاة الشيخ محمد بن عبد العزيز الرواف - رحمه الله - وحزنت لفراقه، أما هو فقد فرح بلقاء ربه، بعمله الصالح بعد رحمة الله التي تسبق كل شيء، وحزن لفراقه معي الكثيرون من سكان عرقة وممن عرفوه، و ?كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ? (185) سورة آل عمران.
عرفت الشيخ - تغمده الله بواسع رحمته - منذ ما يقارب ربع قرن من الزمان، عندما كنت مديراً لمكتب وكيل أمانة الرياض، من خلال مراجعاته المستمرة، ليس لقضاء أمور شخصية، بل من أجل بلدته «عرقة»، يطلب الكثير من الخدمات، ويتابع بنفسه وحين ينهي مراجعاته يرتاح قليلاً في مكتبي ويحتسي فنجاناً من القهوة أو كأساً من الماء، ويحكي لي عن تقدم وتطور مدينة الرياض وما يبذله صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز وسمو نائبه من جهود لكي تقفز الرياض إلى مصاف العواصم العالمية، ولا ينسى - رحمه الله - أن يذكر صاحب السمو الملكي الأمير الكريم مشعل بن عبد العزيز - أطال الله في عمره - الذي كان خير عون لبلدة عرقة وغيرها من بلادنا الغالية .. كان حكيماً دائم الابتسام، له طريقة تشدك إليه في الحديث عن الماضي الذي عاشه ولمسه عن قرب، عن بدايات الحياة في بلادنا الغالية، منذ أيام المؤسس رحمه الله، ويحمد الله على ما حبانا من نعمة ورغد العيش، ويشيد بالسياسة الحكيمة التي تنهجها بلادنا.
رجل عرف عنه الكرم ودماثة الخلق والوفاء ورحابة الصدر، عُرف داعماً للأنشطة الخيرية والاجتماعية، محباً لأهل عرقة الذين يعتبرهم أهله، متواجداً بينهم في جميع المناسبات والمناشط رغم مشاغله الشخصية الكثيرة، وُلد عام 1342هـ ببلدة عرقة، وصار أميراً لها منذ رجب عام 1364هـ، بأمر من الملك عبد العزيز - تغمده الله بواسع رحمته وعظيم مغفرته -.
ورث العلم والخلق القويم عن والده الذي كان من أوائل المعلمين في عرقة، أتم دراسته في الكتّاب على يدي والده الشيخ عبد العزيز الرواف رحمه الله، وكان عدد الطلاب وقتها لا يتجاوز العشرين طالباً، ولأنه من بيت علم كان أول اهتماماته هو فتح مدرسة نظامية لتعليم الأولاد في عرقة افتتحت عام 1368هـ في بيت من الطين مستأجر.
رحم الله أبا عبد الله، وإني لأدعو الله عز وجل أن يكون ممن يظلّهم الله بظلّه يوم القيامة وأن يدخله جنات النعيم ?مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا?، وعزائي موصول لأبنائه عبد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز ومشعل وبناته وأحفاده وكل سكان عرقة الذين اعتبرهم الراحل أهلاً له، ولا أحسبهم إلا أوفياء أصايل، فمثل هذا الرجل سيبقى ذكره في القلوب، وستظل الألسنة رطبة بالدعاء له بعد ذكر الله عز وجل.