Al Jazirah NewsPaper Tuesday  16/03/2010 G Issue 13683
الثلاثاء 30 ربيع الأول 1431   العدد  13683
 
اليابان والتغيب المالي
يوريكو كويكي (*)

 

عندما سُئِل وزير المالية نائب رئيس الوزراء الياباني ناوتو كان عما إذا كان قد قرأ الكتاب الأكاديمي الكلاسيكي في الاقتصاد لمؤلفه بول سامويلسون، وهو الكتاب الذي درسه كل طلاب السنة الأولى في الاقتصاد تقريباً، فأجاب: «قرأت منه نحو عشر صفحات». لا شك أن أي كتاب في الاقتصاد لن يكون كافياً لتقديم جميع الحلول التي قد يحتاج إليها أي وزير مالية في عالم ما بعد الأزمة اليوم، خاصة الحلول للتحديات العصيبة التي تواجهها اليابان. ولكن العديد من اليابانيين أُصيبوا بالذهول حين علموا أن وزير ماليتهم لم يبدأ في التعامل مع المبادئ الأساسية للاقتصاد إلا بعد توليه منصبه.

تولى كان منصبه الحالي في حكومة رئيس الوزراء يوكيو هاتوياما في شهر يناير/ كانون الثاني المنصرم. والواقع أن كان، الذي عمل في مجال الحقوق المدنية طيلة القسم الأعظم من حياته المهنية، يُعَد واحداً من عدد قليل من أعضاء حكومة هاتوياما الذين يتمتعون بخبرة سابقة في مجلس الوزراء؛ حيث شغل منصب وزير الصحة والرعاية الاجتماعية لمدة عشرة أشهر في عام 1996. وهو مجادل شرس، وكثيراً ما يُذكَر كمرشح لخلافة هاتوياما إذا ترك رئيس الوزراء منصبه - وهو احتمال واقعي؛ وذلك نظراً إلى انحدار شعبية رئيس الوزراء وعلاقته المتوترة مع ايتشيرو أوزاوا الشخص الأعظم نفوذاً في الحزب الديمقراطي الياباني الذي يتزعمه هاتوياما.

ولقد تولى منصب وزير المالية بعد أن استقال الوزير السابق هيروهيسا فوجي فجأة متعللاً بسوء حالته الصحية. ولكن يبدو أن كان أخطأ حين دعا في أول مؤتمر صحفي يعقده إلى خفض قيمة الين، وهو التصريح الذي سارع هاتوياما إلى انتقاده بشدة.

والواقع أن الظهور الأول له على الساحة الدولية لم يكن أقل إخفاقاً؛ ففي اجتماع مجموعة الدول السبع الذي استضافته كندا في شهر فبراير/ شباط كان التركيز منصبًّا على الأزمة المالية اليونانية وعواقبها الدولية. ولقد قال كان للصحفيين مازحاً إنه سعيد لأن الاجتماع لا يعالج مسألة الدَّين العام في اليابان الذي بلغ الآن نحو 900 تريليون ين، وإنه تبين له أن الاجتماع كان «يونانياً بالكامل».

ولكن اليونان بوصفها عضواً في الاتحاد الأوروبي تستطيع أن تأمل على الأقل في الحصول على المساعدة من بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى. أما اليابان فإنها تقف وحيدة وقد أثقل كاهلها هذا الدَّين الهائل. وعلى نحو مماثل، ففي حين أن الناتج الوطني الإجمالي الاسمي في اليونان يسجل بعض النمو على الأقل، فإن اليابان ما زالت غارقة في الانكماش. وفي حين بدأت أسواق الأوراق المالية تتعافى في الكثير من بلدان العالم المتقدم، فإن الأسهم اليابانية ما زالت تعاني من الركود.

حين تولى كان قيادة الحزب الديمقراطي الياباني في المعارضة كان يتجنب مناقشة أي زيادة لمعدل الضريبة الاستهلاكية. ولكنه الآن، وبعد أن أصبح حزبه في السلطة وبات لزاماً عليه أن يواجه الواقع المتمثل في إدارة ثاني أضخم اقتصاد على مستوى العالم، وأن يتعامل مع عبء الديون الهائل، وجد نفسه مضطراً إلى تنحية وجهات النظر التي طالما تبناها والتطرق إلى موضوع الزيادات الضريبية للمساعدة في الحد من العجز الهائل في الميزانية.

ومع استمرار هاتوياما في معارضة زيادة الضريبة الاستهلاكية في السنوات الأربع المقبلة، فإن هذه القضية سوف تكون بمثابة اختبار جوهري لجدية الحكومة. لقد بذل الحزب الديمقراطي الياباني عدداً لا يحصى من الوعود الوردية في الانتخابات العامة التي جرت في العام الماضي. وكان من المفترض أن يتم تقديم مخصصات جديدة لرعاية الطفل تبلغ 26 ألف ين شهرياً، وذلك بتكلفة إجمالية تبلغ 5,2 تريليون ين. وكان من المفترض أن يتم إلغاء ضريبة البنزين التي تعود على الحكومة بنحو 2,6 تريليون ين. وكان من المفترض أن يتم خفض الانبعاثات المسببة للانحباس الحراري العالمي بنسبة 25 % بالمقارنة بمستويات عام 1990م.

وفي محاولة للوفاء بهذه التعهدات المتناقضة فمن المنتظر أن يرتفع الإنفاق الحكومي إلى مستوى لم يسبق له مثيل (92,3 تريليون ين). ولكن العائدات الضريبية لن تغطي إلا قسماً ضئيلاً من هذا المبلغ؛ حيث تم تقديرها بما لا يتجاوز 37 تريليون ين في عام 2010؛ لذا فإن الحكومة اليابانية، في محاولة لمواجهة العجز في الميزانية، تعتزم إصدار سندات حكومية قيمتها 44,3 تريليون ين. وفي هذه الفترة العصيبة، حيث يتعين على حكومات أقل من حكومة اليابان معاناة مشاكل الديون أن تبرهن على قدرتها على توفيق وتنظيم أحوالها المالية، فمن الواضح أن الموازنة اليابانية ترسل الإشارة الخطأ إلى الأسواق.

لقد اختار الناخبون الحزب الديمقراطي الياباني سعياً إلى تغيير اليابان، ولكنهم في أغلب الأمر لم يشهدوا سوى الفضائح السياسية القديمة بحذافيرها. فقد اتهم هاتوياما بتلقي تبرعات مشبوهة - (مخصصات رعاية الطفل) - من والدته التي ورثت ثروة ضخمة. كما اتهم أوزاوا، وهو الأمين العام القوي للحزب الديمقراطي الياباني، باستخدام أموال الحزب لشراء العقارات، وتلقي الرشاوى من شركات المقاولات.

لقد لوثت مثل هذه الفضائح السياسة اليابانية طيلة عقود من الزمان. ولكن كما لا يخطط كان إلا لمناقشة زيادة الضرائب، فإن الحزب الديمقراطي الياباني لا يخطط إلا لمناقشة مشكلة المال في السياسة من خلال تأسيس لجنة غير حزبية للتحقيق في المشكلة. ولكن اليابان لا تتمتع بترف إهدار الوقت في بناء جهاز جديد مختص بمنع فضائح التمويل الحزبي؛ فالبلاد لديها بالفعل القوانين القادرة على التعامل مع مثل هذه الأمور، والأمر لا يتطلب سوى تفعيل هذه القوانين ببساطة.

والواقع أن المطلوب بإلحاح الآن يتلخص في إنشاء هيئة غير حزبية مختصة بإيجاد السبل المستدامة لتغطية تكاليف برامج الضمان الاجتماعي. فمن المتوقع أن يسجل الإنفاق على الضمان الاجتماعي عجزاً يبلغ 6 تريليونات ين في هذا العام. ونظراً للشيخوخة السكانية في اليابان فإن ميزانية الضمان الاجتماعي تحتاج إلى زيادة سنوية طبيعية تبلغ تريليون ين. ولا يجوز لليابان ببساطة أن تستمر في تكديس الديون على الديون.

* شغلت منصب وزيرة الدفاع ثم منصب وزيرة البيئة في اليابان سابقاً
خاص (الجزيرة)


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد