Al Jazirah NewsPaper Tuesday  16/03/2010 G Issue 13683
الثلاثاء 30 ربيع الأول 1431   العدد  13683
 
ابن إدريس.. خواطر وذكريات
د. محمد بن عبدالرحمن الربيِّع

 

-1-

لا يتسع المقام في هذا الملحق الخاص لكتابة دراسة مفصلة عن أستاذنا الجليل عبدالله بن إدريس لتعدد مناحي القول فيه؛ فهو شاعر مبدع وناقد كبير

وصحافي متميز ورائد من رواد الأدب والفكر والثقافة في بلادنا وهو صاحب كتاب (شعراء نجد المعاصرون) أول كتاب عرف العالم العربي بشعراء نجد في العصر الحديث، بل وعرفنا نحن - أبناء نجد - بشعرائنا؛ فمجال القول متسع ومجالات البحث متعددة وإسهامات الرائد متنوعة، وللحديث المفصل عنه مكان آخر عندما أنتهى - بعون الله - من كتاب شرعت فيه منذ مدة عن (رواد الفكر والأدب والثقافة في المملكة العربية السعودية). وأكتفي هنا ببعض الخواطر والذكريات مع ابن إدريس.

-2-

في عام (1380هـ) أصدر أستاذنا ابن إدريس كتابه الرائد (شعراء نجد المعاصرون) وكنا طلاباً صغاراً في (معهد الرياض العلمي) وجاء أستاذ مادة الأدب آنذاك الأستاذ عبدالله بن عبدالكريم المفلح - رحمه الله - وقال لنا: صدر كتاب جديد عن شعراء نجد لابن إدريس، ومنذ تلك اللحظة أصبح اسم ابن إدريس محفوراً في ذاكرتي؛ باعتباره أول باحث يصدر كتاباً عن الشعراء المعاصرين في نجد، ولأول مرة تقرع أسماعنا مصطلحات وتصنيفات للشعراء كالكلاسيكية والرومانتيكية والواقعية و... وقد حصلت على نسخة منه قرأتها مع بعض الزملاء في حديقة البلدية، وكنا نسميها (البخشة)، وكانت تمثل ملتقى أدبياً ثقافياً للشباب، حيث يتبادلون الآراء ويناقشون ما اطلعوا عليه من كتب وصحف ومجلات، وأعترف بأننا لم نفهم بعض مصطلحاته، لكننا حفظناها وتباهينا بها؛ فهذا شاعر كلاسيكي وذاك رومانتيكي و...

-3-

وفي عام (1385هـ) رأس ابن إدريس جريدة (الدعوة)؛ فكانت نقلة أخرى في حياته؛ فكتب افتتاحيات كان لها شأن وصدى، افتتاحيات لا يكتبها إلاّ قلم جسور وكاتب شجاع فأقبل جيلنا من شباب الكليات على قراءتها والإعجاب بشجاعة كاتبها وقوة حجته ووضوح بيانه، بل كنا نعجب إلى حد الاستغراب من أن يكتب كاتب في جريدة تصدر عن مؤسسة طابعها شرعي ويتطرق إلى موضوعات عصرية ويفسح المجال فيها للرياضة وغيرها وسط معارضة من البعض وتأييد ودعم ممن يرون في ذلك وصولاً بالجريدة إلى عقول الشباب وجلباً لهم لقراءتها.

-4-

في عام (1397هـ) انتقل ابن إدريس من وزارة المعارف إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وكان لي شرف استقباله في أول يوم عمل له في الجامعة حيث أسند مدير الجامعة إليه (إدارة البعثات) وكنت قائماً بعملها، إضافة إلى إدارة الدراسات والمعلومات، وكان يوماً مشهوداً في حياتي، حيث جمعني العمل مع علم من أعلام الفكر والأدب والثقافة في بلادنا وربطتني به صداقة وعلاقة عمل قوية؛ فكانت المناقشات والمحاورات في شؤون الأدب والثقافة، وجمعتنا لجان كثيرة في الجامعة إلى أن تقاعد من العمل في الجامعة عام 1409هـ.

-5-

وتمر الأيام وإذا نحن نلتقي مرة أخرى لتبادل المراكز والمهمات بعد ربع قرن؛ فكما تسلَّم مني إدارة البعثات عام 1397هـ تسلَّمت منه إدارة النادي الأدبي بالرياض عام (1422هـ) عندما عينت رئيساً لمجلس إدارة النادي خلفاً له بعد استقالته؛ فكان أن رحب بي في النادي كما رحبت به في الجامعة، وأخلص لي النصح والإرشاد، وأخبرني بما كان خافياً عليَّ من أوضاع النادي وشؤونه وشجونه، وظل على اتصال بي وبالنادي طيلة أربع سنوات؛ فهو لم يترك النادي مغاضباً ولم يخرج منه جافياً له بل أدى واجبه ورأى أنه قد حان الوقت ليستريح المحارب ويسلم الأمانة؛ فكان له ما أراد، وإذا كان البعض قد انتقد شيخنا ابن إدريس لإطالة المكث وطول المدة فإني أعجب من قوة تحمله وصبره على النادي ومن فيه ومن حوله أكثر من عشرين عاماً.

-6-

فكان أول عمل بدأت به في النادي هو التخطيط لتكريم ابن إدريس وهذا حق له ودين على النادي لابد من القيام به، وأردت أن أضع نموذجاً يحتذى به في تكريم الرواد ورؤساء الأندية بحيث يشتمل التكريم على مجموعة نشاطات وأعمال وقد تمّ ذلك - بفضل الله -؛ فقام النادي تمهيداً لحفل التكريم بإعادة طباعة كتابه الرائد (شعراء نجد المعاصرون) وأصدر النادي كتاباً وراقياً (ببلوجرافيا) عن ابن إدريس للدكتور أمين سيدو ثم جاء حفل التكرم وتلا ذلك ندوة علمية شارك فيها الدكتور حسن الهويمل ببحث عن ابن إدريس الناقد والدكتور ناصر الرشيد ببحث عن ابن إدريس الشاعر والدكتور عبدالعزيز بن سلمة ببحث عن ابن إدريس الصحافي، وكنا قد عزمنا على إصدار كتاب وثائقي عن ابن إدريس ولكن حالت ظروف وصعوبات دون ذلك، وكان هذا التقصير سبب عتب من أستاذنا ابن إدريس عليّ، وله الحق كل الحق في ذلك ولكن يعلم الله أن ذلك لم يكن تقصيراً مني.

-7-

ابن إدريس علم من أعلام الأدب والثقافة في بلادنا فهو رائد بكتابه «شعراء نجد المعاصرون» ورائد بأبحاثه في الشعر السعودي وبافتتاحياته في جريدة الدعوة وبدفاعه عن العربية الفصحى ضد أخطار العامية وقد كتب الكثير من الإبداع في الشعر والنثر وقد آن الأوان لجمع تراثه وإصدار المجموعة الكاملة لأعماله في أجزاء تشتمل على شعره ونثره. وأقترح على أستاذنا الجليل أن يفرغ نفسه لكتابه سيرته الذاتية وهي حافلة بالعطاء والمواقف، كما أتمنى أن يكتب عن تجربته في العمل الثقافي والأدبي لا على سبيل الاختصار كما هو الحال في مقالاته التي ينشرها أحياناً ولكن على سبيل البسط والتقصي والتحليل والتعليل؛ فهو شاهد على عصره، مشارك في أحداثه، خبير بأسراره، سابر لأغواره.

-8-

ختاماً .. فمتى يتم تكريم ابن إدريس في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) فهو جدير بذلك بل أعتقد أن تكريمه قد تأخر كثيراً.

أعتذر من أستاذنا الفاضل فهذه الخواطر لا تفي بحقه ولا تكافئ قدره ولكن ضيق الوقت وكثرة المشاغل حالا دون كتابة مقالة ضافية أو بحث مفصل.

بارك الله في جهوده وأطال عمره ونفعنا بأدبه وعلمه، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد