الأستاذ عبدالله بن إدريس علم من أعلام الأدب، وقنديل من قناديل العلم والفكر، ساهم في بلورة الفكر الثقافي في بدء نهضتنا الثقافية؛ فكان له أثر بارز فيها.
إنتاجه مقدر، ومشاركاته في مسيرتنا الحضارية ملحوظة، كان من الذين أبدوا نشاطاً في المجال الذي اختاره، قاده إليه تخصصه، وتبع فيه اختياره وذوقه؛
فكان لإنتاجه الأدبي تنوع أوحت به حاجة المحيط الذي عاش فيه، والحقبة التي كان هو وآخرون وجدوا أن عليهم أن يساهموا بمجهود لا حدود له فيها، وقد نجح ونجحوا.
كان يمثل تأثير مدرسة دار التوحيد التي أنشئت في زمن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - لتؤدي دوراً في بناء صرح فكري، وقد نجحت في أداء هذا الدور، مثلما نجحت قبلها مدرسة الفلاح والصولتية في مكة المكرمة؛ فكان لإشعاعها العلمي ما بقي أثره يتسلل إلى يومنا هذا، وكذلك جاءت مدرسة دار التوحيد؛ لتكون ثالثة أثافي إناء العلم المضيء على بلاد متعطشة إلى نمير يطفئ ظمأ أناس تذوقوا العلم في الحرم وفي حلقات المشايخ، وتطلعوا إلى ما يفيد غير من عزم على التخصص في علوم الدين، وإنما ليتسلح ليخوض معركة العيش، وليوسع مداركه العلمية بالنزح من بئر العلوم الحديثة بجانب العلوم الدينية العريقة، التي كانت وما فتئت هي الأساس الذي يبنى عليه بناء الصرح الشامخ السامق.
الأستاذ عبدالله بن إدريس دخل معترك الحياة مسلحاً بمبادئ أعطته البدء في الخطو في الحقل الأدبي، فسار فيه متئداً ومثابراً، يلتهم من التراث ما جعله يثق أنه آن الأوان أن يكون له إنتاج يُري الصورة الحقيقة للمرحلة الناهضة التي وصلنا إليها؛ فكانت مشاركاته الخيرة، شعراً أو نثراً، تسد نقصاً غفل عنه غيره، أو ابتداعاً وجد أنه يتلاءم مع فكر الوقت، ورحابة صدر القبول لجديد استُقبل بترحيب.
مشاركات الأستاذ عبدالله الأدبية تستحق أن تدرس وأن تحلل لتلقي الضوء على تاريخ خطونا الحضاري في حقبة من حقب نهضتنا الحالية. وهذا لا يتأتى إلا بدراسات علمية، يقوم بها باحثون، وهي تستحق أن تكون موضوعاً لدرجات جامعية عالية. ومثل الأستاذ عبدالله أدباء آخرون معاصرون له ساهموا في إكمال الصورة، وإتقان الرسم. والحديث عنه في مقالة محدودة الحيز ما هو إلا إشارة عابرة لما يجب أن يكون مطولاً في صورة من صور البحث والتأليف.
لقد كان الأستاذ عبدالله يتلمس الطرق لفتح آفاق يكون منها المنطلق إلى رحاب واسعة، وكان لسعيه في دفع مجلس للعلوم والآداب، وإصدار مجلة المعرفة صداه في وقته، وبقي أثره وإن كان أخذ صوراً مختلفة، ولكن يبقى الفضل لله ثم لمَن غرس النبتة الأولى.
ولعل مما ساعد على هذا التقدم في الفكر والعمل هو وجود الأستاذ عبدالله في وزارة العلم، وزارة المعارف آنذاك؛ فهو قريب من النهل من الموارد العذبة، ولديه الفرصة في أن يوجد مناهل وقد أوجدها، أمدّ الله في عمره وألبسه الصحة والعافية وأضفى عليه جلابيب السعادة، وأعانه على تكملة المسيرة التي اختطها ورضيها ورضيناها معه.