يعتبر مهرجان الجنادرية عروس المهرجانات العربية، بل يمثل درة التاج التي أرسى قواعدها المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- والذي يؤكدها ويزينها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز -حفظه الله- للمملكة وللثقافة والأمة، العربية، وفى هذا المقام ترد عبارة أن حضارة الأمم تقاس بعدد علمائها وبثقافتها وتطور فنونها وآدابها، ولا شك أن المملكة قد قطعت شوطاً كبيراً في هذا المضمار، وتواصلت مع موجات المد الحداثي الثقافي والأممي والعالمي مع احتفاظها بمرجعياتها الثقافية، وثوابتها المستمدة من عظمة اللغة العربية والدين الإسلامي الحنيف، وكيف لا؟ وهى منارة العالم، بها بيت الله وكعبته التي تهفو لها أعناق المسلمين في جميع أقطار العالم العربي والإسلامي وفى كل بقعة من بقاع العالم. وبهذه الثوابت الثقافية، وبالاتكاء على الموروث الديني واللغوي مع الحفاظ على الهوية والثقافة العربية استطاعت المملكة أن تأخذ من الأصالة والمعاصرة، كما استطاعت أن تحافظ على خصوصية الإسلام أمام دعاوى الغرب والهيمنة والعولمة وصراع الحضارات والثقافات، وطالما أن حارساً عظيماً مثل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يرعى المهرجان كل عام فإن الثقافة خارج دائرة الخطر، بل هي في تقدم وازدهار وسموق بفضل الرعاية الملكية السامية.
إن مسيرة الحرس الوطني لهى مسيرة رائدة وعظيمة لخدمة الثقافة والإسلام والعروبة، ولقد كان الحرس الوطني سبّاقاً في ذلك، فإلى جانب دوره الريادي لحفظ الأمن القومي للمملكة فقد حرص على خدمة الثقافة أيضاً والاتصال بكل المؤسسات الثقافية والمستجدات التكنولوجية للارتقاء بمنظومة الأمن والتنمية والتي تأتي الثقافة على رأس أولويات التنمية لتساير عجلة التقدم العجلة العالمية في العلوم العسكرية من جهة، وفى تثقيف أبناء القوات المسلحة السعودية كذلك، فجمع الحرس الوطني بين الحسنيين بين الثقافة العسكرية والثقافة بمعناها الشامل وبفضل جهود الحرس الوطني ورئيسه المفدّى أخذت المملكة في المضي قدماً إلى آفاق أكثر رحابة وتمدين بين الحضارات العربية والعالمية.
فنرى الخبراء العسكريين السعوديين المثقفين على أعلى مستوى ونجد المستشارين والخبرة المتأصلة التي تحفظ للوطن أمنه وتحافظ على ثقافته وهويته، وتنفتح كذلك على الثقافات العالمية الأخرى.
وتأتي في أولويات ذلك مجلة الحرس الوطني تلك المجلة العظيمة التي أحدثت معادلة التوازن والجمع بين الثقافة العسكرية العالمية من جهة والثقافة والتراث السعودي من جهة فكانت بمثابة الزاد الثقافي العظيم والمعين الثّر الذي استقى منه السعوديون والعرب على السواء فكانت المجلة منارة لانجازات المملكة وخير سفير بين الدول والممالك على التقدم التقني والثقافي العالمي.
إن مسيرة الحرس الوطني السعودي مسيرة رائدة، ومثال تدرسه الكليات العسكرية المتخصصة والأكاديميات العسكرية في الشرق الأوسط، ولعل الخدمة العظيمة الكبرى التي تتوج كل ذلك هي رعاية الحرس الوطني بقيادة الملك عبدالله بنفسه لهذا العرس السنوي السعودي الذي نحتفل اليوم بمرور أكثر من ربع قرن على افتتاح هذا الملتقى البانورامي العظيم.
لقد تأسس مهرجان الجنادرية إثر فكرة برؤية ثاقبة وحب للثقافة والفنون والآداب، وتشجيع دائم للمفكرين والعلماء والأدباء والكتاب فكان المهرجان بمثابة تتويج وتكريم للمثقفين السعوديين والعلماء من جهة، وبمثابة تكريم لكل النوابغ الذين أحرزوا إبداعاً فردياً وجماعياً لخدمة الإنسانية كما أنه فرصة عظيمة لعرض المنتج الثقافي السعودي وإلقاء الضوء على كافة الفروع الثقافية الأخرى في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، والاجتماعية إلخ...
مهرجان الجنادرية هو مهرجان تراثي وثقافي قام (1985م/1407 هـ) في المملكة العربية أي منذ ربع قرن تقريباً، غالباً ما يكون موعده في فصل الربيع، ويجذب العديد من الزوار داخل وخارج المملكة. ويقام تحت إشراف الحرس الوطني، أي تحت إشراف خادم الحرمين الشريفين الملك المفدى عبدالله بن عبدالعزيز، رئيس الحرس الوطني السعودي.
تبدأ فعاليات المهرجان - غالباً - بحفل الافتتاح الرئيسي، وبعدها تتنوع الفعاليات المقامة وأبرزها:
سباق الهجن
- الأوبريت
- سباق الفروسية والتحمل
- الشعر الشعبي
- السوق الشعبي
- الفنون والألعاب الشعبية
- العروض التراثية لإمارات المناطق
- الأزياء الشعبية
- معرض الكتاب
- مركز الوثائق والصور
بالإضافة إلى أنشطة تتجدد كل عام، كما يقوم الملتقى بدعوة الشخصيات العربية الثقافية الكبيرة والمؤثرة لإحداث الاحتكاك الثقافي من جهة، ولاطلاعهم إلى أبرز ما وصلت إليه المملكة العربية السعودية في كافة المجالات، ولعل معرض الكتاب وسباقات الهجن هي الصورة الصادقة التي تذكرنا بسوق عكاظ القديم وذي المجنة؛ حيث يتبارى الشعراء وتنطلق الهجن الأصيلة، حيث مظاهر البادية تقترن بمظاهر التمدين والرقي.
يعتبر المهرجان فرصة ثمينة للتواصل والاحتكاك الثقافي من خلال المسابقات والأمسيات الشعرية والندوات الفكرية والثقافية التي تثرى الفكر وتصقل الذائقة لدى أبناء المملكة من رواد المهرجان، كما أنه فرصة لاقتناء الكتب من خلال معرض الكتاب والذي يمثل ركيزة التقدم للاطلاع على أحدث الإصدارات للكتاب التراثي وغيره للسعوديين والعرب على السواء، كما أن السوق الشعبي هو معرض دائم يربط بين الماضي والحاضر ليذكرنا بتراثنا ويؤكد الهوية الدائمة لأبناء المملكة للتمسك بالثوابت والمرتكزات التراثية، وتحديثها لتتلاقح الأصالة مع المعاصرة في تواشج بديع خلاب، كما أن الفن التشكيلي يلقى كل الدعم من خلال المعارض الفنية إلى جانب عروض الفنون الشعبية التراثية للحفاظ على ثوابتنا العربية الأصيلة.
ولاشك بأن الشعر الشعبي النبطي يمثل الركيزة الثقافية الكبرى في هذا المهرجان إذ إن الشعر ديوان العرب الحافظ لتراثها وأيامها وعاداتهم وتقاليدهم، وهنا يتبارى الشعراء إنه عرس الثقافة والفنون، فهنا تتواشج الفنون عبر النوعية وتلتقي العقول على مائدة الثقافة السعودية والكل يتبارى لتقديم أفضل صورة وصل إليها ابتكاره الشخصي المعرفي والثقافي ليلتئم عقد الذهب الثقافي الجميل.
هذا، ولا بد أن ننوه إلى ما قاله الملك عبدالله بن عبدالعزيز في افتتاح الدورة السابقة للمهرجان: «نحن نقف اليوم على أعتاب إكمال المهرجان الوطني لربع قرن منذ إقامته، حيث انطلق المهرجان الوطني للتراث والثقافة في عام 1405هـ بالمرسوم الملكي الكريم لإقراره»، وأضاف: «إن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كان صاحب الفكرة الصائبة والرؤية المستقبلية لإقامة هذا المهرجان الوطني ليذود عن ثقافتنا وتراثنا ويقدمها للعالم، في أبهى وأجمل صورة، وكان بذلك النبتة الحسنة منذ غرسها وحتى باتت شجرة مباركة متشابكة الأغصان سخية العطاء بتوفيق الله عز وجل».
وإذا علمنا أن العام الماضي قد حضر المهرجان نحو مليون وستمائة ألف بين مقيم وزائر ومشارك لأدركنا عظم وقيمة هذا المهرجان والتعدد في الأنشطة التي تمثل معرضاً كبيراً شاهدا للمنجز الثقافي السعودي كل عام.
وقد كانت رغبة الأسر السعودية عارمة للمشاركة في هذا المهرجان بعد أن كان قاصراً على الرجال، فشاركت المرأة منذ العام الماضي في المهرجان وكان دورها المميز في المشاركة في هذا العرس الثقافي، كما أن هذا العام قد تم توسيع قاعدة مشاركة المرأة لتعم الثقافة كل أسرة في أرجاء المملكة، ولولا جهود الملك عبدالله لما استطاع المهرجان أن يحظى بكل هذه الرعاية والدعم الكبير في جميع مناشط الحياة الثقافية والعلمية والاجتماعية؛ فهو يمثل مدينة للثقافة وليس مهرجاناً فقط، يجد فيه الجميع كل شيء، يجدون غذاء الروح والعقل الذي يسمو على كل غذاء، يجدون الفن والثقافة والعلوم والمعارف الكبرى، ويجدد المهرجان الذاكرة الثقافية العالمية لأسواق العرب الشهيرة على مر العصور والأجيال.
إن الثقافة في المملكة العربية السعودية ما كان لها أن تشهد كل هذا الرقي لولا تلك الجهود المبذولة من القائمين على المهرجان من رجال الحرس الوطني المخلصين ومن الهيئات والمؤسسات المشاركة وعلى رأسها جميعاً عناية ورعاية ملكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ملك الإنسانية حفظه المولى عز وجل.
وأخيراً.. إن الحديث عن المهرجان يمكن أن يتسع ويطول؛ فقد أكدت دوراته السابقة والدورة الحالية 1431هـ بأن هذا المهرجان هو أبرز دليل على التوجهات الثقافية السعودية وهو العرس السنوي المهم لكل مناشط التنمية على أرض مملكتنا الغرّاء.
سليمان الأفنس الشراري
رئيس اللجنة الثقافية بطبرجل