من الأمور الجوهرية في تقدم المجتمعات البشرية، أن تكون كالماء الجاري, فهي إن توقفت أسنت، كما يأسن الماء عند توقفه.., ولا تتوقف عن الاستزادة من المعارف، العلوم، وتدريب المهارات، وتبادل الخبرات، والاحتكاك بتجارب أوسع من تجاربها، والأخذ بأسباب النهوض، وعدم الانتكاس بعد بلوغ مراتب من التقدم، وقياس نسب التقدم بعرض كل مكاسبها عند محكات المقارنة مع من سبقها، ومن لم يفعل في مجتمعات، لها في موازين العلم والحضارة والتجارب والتحديث والتطوُّر ثقل، وسمعة، ولها في مجالات الإنجازات، من ابتكارات، وصناعات، وفنون، وآداب، وتجريب، وتنظير، وتطبيق، وقيادة، ما تجعلها في مصاف متقدمة، بما يضعها نصب عين الشمس، ومحور اهتمام التنافس، وبوصلة لكل من يرغب في التماثل، أو التقدم عليها،...
لذا فإنّ خطاب الراغبين في صعود الميزان، وشغر كفتيه أو إحداهما، كان بوضع صياغات الترغيب، في الاقتداء مع تذييل هذه الصياغات بخطاب العقول، لا بخطاب القلوب تلك التي تذهب شتى، وغالباً ما تذهب مع هوى الترغيب في التسيّد على موجات في بحر الحياة الدنيا، هذه الدنيا التي هي دار الغرور، تعبث كثيراً بقوى العقول، وتوجّه الإنسان بقوى النفوس، لذا تهيمن عليه كوامنها، والنفوس جُبِلت في الإنسان على إمارته بالسوء، والسوء هنا هو الأخذ من بحور الدنيا ما يغذي فيها، بقاءه، وينمي له منها ظهوره، ويأخذه إلى صدارات واجهاتها، فلا يتقن من العلم إلاّ ما فيه خبرها، ولا يأمل فيها، إلاّ بقدر ما يحقق له فيها.. بلوغها،...
اختلف خطاب العقل حتى كاد العقل أن يكون له دور, استحدُثت له معايير, ليست تلك التي تعارف الإنسان عليها، مدى ما مر به، وطالت مفاهيم تجذَّرت فبادت حين نمت أسبابٌ في حياته، غلبت فيها سطوة الدنيا الفانية.. على مُدرك العقل الضابط،...
ثمة بوتقة تنصهر في أتونها أدوار العقل البشري، وتلك التي تخص الأهواء في نفوس إنسانه،.. وإلى أن تنضج مكنونات هذه البوتقة، سيبقى هناك ما خلف تغير الخطاب لدى إنسان العصر، ما الذي بقى له من مفاهيم خطاب العقل، وخطاب النفس، في مجمل ما يمكن أن يفعله فوق أديم الأرض التي يخطو فوقها، وما الذي سيبقى عنه، وما الذي سيأخذه معه..؟