لم تكن تلك اللحظات السريعة التي قضيتها في أروقته (متجولاً) كافية لإصدار حكمٍ على معرض هذا العام ؛ ولكنها كانت بمثابة مؤشر واقعي (حي) يمكن أن يرسم بأبعاده (الأيدلوجية) صورة لما يمكن أن تكون عليه العلاقة بين العقل والكتاب السعودي الذي توسد الرفوف (الغابرة) لسنين طويلة.
مشاهدة الناس وهم يجولون في أجنحة المكتبات ودور النشر بالمعرض - حتى وإن كان ذلك التجوال للاطلاع فقط و ليس الاقتناء- أمر إيجابي جداً إذا ما قُورن بما كان عليه حال تلك الجماهير في السنين والأعوام الماضية (العتيدة)؛ فلا يمكن لأيٍّ كان بأن يصادر هذه الرغبة الجادة التي تتملك كل هؤلاء البشر في زمن سادت فيه ثقافة الاسترخاء واستحكمت، بل يجب مكافأة كل من استطاع أن ينفك ولو بشكل جزئي من هذه الثقافة ومن تبعاتها (السيميائية)، ولدفع هذه العجلة لا بد أن يكون هناك نوع من الثقة المتبادلة يتبناها كلا الطرفين (الرسمي والفردي) فليس كل ما يعرض سيقرأ، أو بالأصح هو صالح للقراءة؛ فتنمية الرقيب الذاتي لدى القراء وإتاحة المجال للبشر بتمييز الصالح والطالح بين صفحات الكتاب الواحد لا الكتب المتعددة هو ما ينبغي التركيز عليه، بل هو من صلب حقوقهم وواجباتهم الدينية والأخلاقية، ولا أجمل من مشاهدة الناس على اختلاف مستوياتهم العلمية والثقافية وتعدد مشاربهم وهم يحتفون بالكتاب ويعزفون على أرق أوتاره.
إضاءة ثقافية
تميزت التغطية المتلفزة لأحداث معرض الكتاب هذا العام بنوعية وانتقائية عالية فأصبح المتلقي يتيه بين تلك البرامج الرائدة والمتنوعة ؛ فالخطة (الناجحة) التي رسمتها القناة الثقافية التي يتولى الإشراف عليها الزميل محمد الماضي هي سبب هذا التميز، ويكفي هذه القناة البكر التي لم يتجاوز عمرها الثلاثة أشهر تفاعلها مع الوسط الثقافي وإلقاء الضوء على أبرز ما يمكن أن يعود بالنفع على المثقف السعودي والعربي.. إذاً فهي باقة ورد أزفها مع تحية عطرة إلى معالي وزير الإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة على النقلة الإيجابية التي أحدثها في الوسط الثقافي (المرئي) باستحداثه هذه القناة المتألقة.
