الجزيرة - حازم الشرقاوي
ثلاثة تحديات رئيسة وهي: التنظيمية، الاقتصادية، الاجتماعية تقف حجر عثرة أما التملك السكني في المملكة وتساهم في تراجعه بصورة ملفتة مقارنة بالنسب العالمية فوفقا للتقديرات الأولية فإن نسب التملك السكني في المملكة تتراوح ما بين 30% -40%، في حين أن العكس يحدث في الدول المتقدمة حيث تتراوح نسب التملك السكني في هذه الدول ما بين 60%-70%.
فقد رصدت دراسة أعدها د. رائد بن منصور الدخيل عضو هيئة التدريس بكلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود تحمل عنوان: «تمكين الأسر السعودية من تملك السكن» المعوقات الثلاث الرئيسة التي تقف حائلا أمام قضية التملك في المملكة.
التحديات التنظيمية
نجحت الدراسة في تناول التحديات التنظيمية بصورة تفصيلية ورصدتها في الجوانب التالية وهي:
- تأخر إقرار وتطبيق البيئة التشريعية والتنظيمية الخاصة بسوق العقار مثل: أنظمة الرهن العقاري، تملك الأجانب، أنظمة ومشتقات التمويل، التسجيل العيني للعقار.
- تأخر الهيئة السعودية للإسكان في إعداد خطة شمولية للإسكان مبنية على قاعدة معلومات دقيقة تطبق من خلالها إستراتيجية واضحة بشراكة مع القطاع الخاص والمؤسسات الخيرية للتعامل مع المعضلة والتنسيق بين أطراف المنظومة لتمكين المواطن من الحصول على السكن المناسب.
- بالرغم من صدور قرار مجلس الوزراء الموجه لوزارة الشئون البلدية وهيئة الإسكان ما زال هناك تأخير في تطوير برنامج منح الأراضي للمواطنين ليتماشى مع الاحتياجات الحالية للأسرة السعودية وتشجيع الآليات الإبداعية لتوفير الخدمات والمرافق في المجمعات والأحياء السكنية لذوي الدخل المتوسط. وقلة الأراضي المخدومة بالخدمات والمرافق وبأسعار مناسبة للمشاريع السكنية.
- تأخر تطوير أنظمة البناء والتخطيط وتقسيمات وتجزئة الأراضي بما يتناسب مع الاحتياجات الحالية والتعقيدات والخطوات الكثيرة اللازمة لإصدار التراخيص الخاصة بالمشاريع. والتأخر في صدور الموافقات والتراخيص اللازمة وتعدد الجهات المرخصة مما يؤثر سلباً على الجدوى الاقتصادية للمشاريع ويرفع من تكلفة الوحدات السكنية على المستفيد.
- تأخر تطبيق الكود السعودية المناسب لاحتياجات الأسرة السعودية وتحديد الحد الأدنى لمواصفات مواد البناء وتجهيزات البناء التي تحمي المواطن والمخزون السكني للبلاد.
التحديات الاجتماعية
وذكرت الدراسة أن التحديات الاجتماعية تتمثل في عدة جوانب وهي: تفضيل معظم المواطنين الإقامة في المدن الرئيسية ذات التكلفة الأعلى للأراضي، المبالغة في اختيار حجم الوحدة السكنية وزيادة عدد عناصرها وإنهائها وتجهيزها، التطوير الفردي واختيار الأساليب التقليدية المكلفة في البناء والإنهاء، تجاهل تكلفة التشغيل والصيانة مقارنة بالتكلفة المبدئية لمواد الإنهاء والتجهيزات، قلة الوعي العام بأهمية الادخار وعلاقته برصد المبالغ الكافية لتوفير السكن في وقت مبكر.
التحديات الاقتصادية
أما أهم التحديات الاقتصادية وفقا للدراسة فهي: قلة موارد التمويل من خلال مصادر متعددة وبشروط ميسرة للمستثمرين، تقلص دور صندوق التنمية العقاري وعدم تطويره من خلال التنوع في أدوات الإقراض واستقبال الاستثمارات والتعاون مع جهات التطوير، شح السيولة وذلك مع توفر موجودات عالية في المصارف السعودية إلا أن المصارف حذرة في المرحلة الحالية على الإقدام لإقراض المشاريع العقارية، التزام المستثمرين بدراسات الجدوى الاقتصادية في إقامة مشاريعهم العقارية، قلة التنسيق والتأخير الناتج من قبل مقدمي خدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي للأحياء والمجمعات السكنية الجديدة، ضعف قدرات وإمكانات الخدمات الفنية الداعمة للقطاع مثل الخدمات الهندسية والمقاولات وصناعة مواد وتجهيزات البناء وهذا الضعف يعود لمجموعة من الأسباب أهمها ندرة التشريعات الحامية أوالمنظمة لهذه الخدمات بالإضافة إلى ندرة الأبحاث الداعمة للأنشطة، حداثة صناعة التطوير والتأخر في تشجيع الشركات المتخصصة في توفير المشاريع السكنية الميسرة، تركيز شركات التطوير الحالية على تجاهل الشرائح الكبرى ذات الاحتياج الفعلي والتركيز في التنافس على نسبة قليلة من الفئات ذات الدخول المرتفعة، عدم وجود الرؤية الواضحة والعمل المؤسسي في صناعة البناء والتشييد الذي يساعد على تقليص التكلفة ورفع الجودة.
مؤثرات الطلب
وأوضحت الدراسة أن حجم الطلب على الوحدات العقارية يتأثر بمجموعة من العوامل أهمها عدد السكان ومعدل النموالسكاني، والتركيبة العمرية للسكان, والناتج المحلي الإجمالي، ونصيب الفرد منه، وحجم الإنفاق التنموي على مشاريع البنية التحتية، والقروض المقدمة إلى القطاع من قبل البنوك والجهات المختصة بالتمويل العقاري والنسبة المقتطعة من الدخل وثقة المستهلك وقدرة الأسرة على تحمل التكاليف المتزايدة للوحدة.
وذكر د رائد الدخيل أن آخر الدراسات توضح حاجة المملكة إلى ثلاثة ملايين وحدة سكنية جديدة إضافة إلى مليون وحده لاستبدال المخزون الحالي خلال العقدين القادمين ومن أسباب ارتفاع هذا الرقم النموالمضطرد في عدد السكان (2.4% سنوياً) وخاصة في الفئات صغيرة السن بالإضافة إلى الهجرة من القرى إلى المدن وزيادة تدفق الوافدين وانخفاض متوسط عدد أفراد الأسرة. ووفقاً لهذه المعطيات فمتوسط زيادة الطلب يفوق 175 ألف وحدة سكنية وإلى أكثر من 125 مليون متر مربع من الأراضي الخام سنوياً. وتتفاوت نسبة الفجوة ما بين الطلب والمتوفر من الوحدات السكنية في السوق حسب حجم المدن فالمدن الرئيسية الكبرى تتجاوز فيها الفجوة 26% بينما تنخفض هذه النسبة في المدن المتوسطة والصغيرة ويقدر حجم الفجوة الحالية بـ 400 ألف وحده سكنية والتقديرات الحالية تشير إلى توقعات بزيادة الفجوة إلى مليون وحدة خلال ثلاث سنوات.
وقال في دراسته: لقد انخفضت قدرة الأسر السعودية على تملك الوحدة السكنية خلال الأربع عقود الماضية بشكل ملحوظ والدراسات الأخيرة كشفت عن أن الأسر السعودية تستقطع في المتوسط ما يصل إلى 45% من دخلها لتغطية تكلفة تملك الوحدة السكنية مقارنة بنسبة تتراوح مابين 20الى 30% في الدول المتقدمة.
سوق واعدة
وبينت الدراسة أنه رغم عدم استقرار معظم القطاعات الاقتصادية العالمي خلال الأشهر الماضية ، سجل سوق العقار في المملكة نتائج مقبولة ويعود ذلك لمجموعه من العوامل أهمها: أساسيات الطلب وارتفاع السيولة وميول المستثمرين للمحافظة على رؤوس الأموال في المملكة وتدني أسعار الفائدة والتوقعات المتفائلة للعوائد على الاستثمار في القطاع. وقالت الدراسة: يتوقع زيادة الطلب على الوحدات السكنية بنحو2.6 مليون وحده باستثمارات تصل إلى 1.2 تريليون ريال حتى عام 2020م وزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي إلى 7.2% خلال العام الجاري وتشير الإحصائيات على أن الموجودون في سوق العمل حالياً يقدر بـ 3.5 مليون موظف ويتوقع أن يزيد هذا الرقم إلى 8.5 مليون خلال الـ 15 سنه القادمة مما يظهر حجم الطلب. كما تشير الإحصائيات أن توجيه قيمة الإيجارات لإقساط التمليك سيعمل على ضخ ثلاثة إضعاف مبالغ الإيجارات في التطوير العقاري.
وتناولت الدراسة تأكيدات مجموعة من بيوت الخبرة بالإضافة إلى وكالة موديز للتصنيف الائتماني إن السوق السعودية ستكون سوق استثنائياً في الفترة المقبلة بسبب تواصل الطلب المحلي القوي فالمؤشرات الاقتصادية توضح بأن قطاع العقاري السعودي من أفضل القطاعات الجاذبة للاستثمار فمن المتوقع أن تزيد الاستثمارات الجديدة في القطاع خلال العقد القادم ويشكل القطاع محوراً مهم للتنمية وتحريك النشاط الاقتصادي. ومما لاشك فيه أن صناعة التطوير للمجمعات السكنية مجدي للاقتصاد الوطني حيث أثبتت الدراسات أن القطاع مفيد إذا كان يهدف إلى توفير الاحتياج بدون الدخول في مضاربات قد تؤثر على القطاعات الإنتاجية الأخرى.
وقالت الدراسة: عند مراجعة نسبة الأشغال للمخزون السكني الحالي التي تفوق 92% فيلاحظ أن الفجوة في الطلب في المدن الرئيسية تصل إلى 26% فالمؤشرات تدل على وجود فرص جيده في المشاريع السكنية الموجهة لذوي الدخل المتوسط في المدن الرئيسية والتي تشكل 75% من الفرص المتاحة حالياً. وعلى الرغم من زيادة نموالقطاع خلال السنوات السابقة حيث زادت الرخص للمنشآت السكنية عن 36 ألف رخصة سنوياً إلى أنا القطاع لم يحقق للمواطن تقدماً ملحوظاً في التمكين من تملك الوحدة السكنية.
حلول التملك
ورصد الدراسة عدة حلول وتوصيات لرفع معدلات التملك في المملكة وهي:
- تطوير وتسهيل وتسريع أنظمة وتصاريح البناء والتخطيط وتقسيمات الأراضي والخدمات والمرافق الأساسية لتواكب المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع وتراعي جانب المسافة إلى أماكن العمل والمناطق التجارية في المدن.
- تجميع إدارات الرخص للجهات المختلفة في إدارة واحدة متخصصة في المشاريع التطويرية وتحسين العلاقة مابين جهات التطوير والجهات الحكومية المرخصة لتكون العلاقة علاقة تكاملية مشجعة للإنتاج السريع ذوالجودة العالية والتكلفة المتزنة.
- التسريع في تطبيق القرار الأخير لمجلس الوزراء الخاص بتطوير برامج منح الأراضي لتوفير المساحات المناسبة لتحول عملية التطوير من التطوير الفردي إلى المشاريع الشمولية وتوفير البيئية التشريعية المناسبة المشجعة لهذا التحول.
- تطوير أنظمة تقسيمات الأراضي لإتاحة المزيد من المرونة مع مراعاة الحلول المناسبة لتطوير البنية التحتية والخدمات والمرافق الحالية مما سيساعد على استحداث منتجات جديدة تيسر على الأسرة السعودية تملك الوحدة المناسبة
- إقرار وتطبيق التشريعات المنظمة لأعمال التطوير والتمويل العقاري مما سيساعد على التوسع في الرهن للقطاع ليلبي احتياجات إعداد اكبر من الأسر السعودية.
- بما يتماشى مع احتياجات الأسر السعودية تطبيق كود ومواصفات البناء السعودية على المنتجين والموردين للأسواق المحلية لضمان الحصول على مخزون أسكاني تتوفر فيه مقومات الأمان والسلامة للأجيال القادمة.
- تطبيق نظام التسجيل العيني واستحداث محكمة متخصصة لقضايا العقار للبت السريع في هذه القضايا وتفعيل التنفيذ الفوري للأحكام القضائية بحق جميع الأطراف.
- تطوير آلية تملك الأجانب للعقار وتوضيح وتسهيل إجراءاتها لتكون حافز للاستثمار من قبل المقيمين وزيادة المخزون الإسكاني.
- تشجيع شركة الكهرباء ومصلحة المياه على خدمة المشاريع التطويرية المستهدفة لفئات متوسطي الدخل في مدة زمنية معقولة.
- تطوير قاعدة معلومات رقمية تساعد في تسهيل الحصول على المعلومات المحدثة لتشجيع الاستثمار المبنى على معلومات واقعية ودقيقه.
- مساندة ودعم الجهات المساهمة في تطوير آليات التيسير لغير القادرين على الحصول على التمويل كالمؤسسات الخيرية مثل مؤسسة الملك عبدا لله للإسكان التنموي التي تدعم هذه الفئات والجهات المشجعة للدراسات والأبحاث في تطوير آليات جائزة الأمير سلطان للتيسير في تقنيات وتجهيزات المساكن.
- الحد من المضاربة على الأراضي الخام والبحث عن آليات المناسبة المساعدة على استقرار أسعار الأرضي.
- تقليص تكلفة التطوير من خلال رفع كفاءة استخدام الأرض وتصميم الوحدة وتقليص الهدر.
- نشر الوعي وتثقيف الجمهور حول حجم الوحدة السكنية الملبي للاحتياج وتوضيح الارتباط مابين التكلفة وبين حجم الوحدة وتحديد الاحتياج الفعلي عن طريق البرامج التفاعلية.
- تطوير المشاريع التكاملية والشاملة للخدمات والمرافق الأساسية والوحدات المحققة لاحتياجات وتطلعات الأسر بدون المبالغة لتتوافق مع إمكانيتها وقدراتها الشرائية.
- الدخول في شراكات حقيقية مع المقاولين المؤهلين لتطوير وسائل تقليص التكلفة في كل جوانب التنفيذ فمثلاً على مستوى الحي بالإمكان التوفير في تمديدات البنية التحتية وعلى مستوى الوحدة تقليص تكلفة النظم الإنشائية والكهروميكانيكية ومواد الإنهاء. وإيجاد الصيغ التعاقدية المناسبة المقننة للتكلفة والمحافظة على حقوق جميع الأطراف.
- توفير الضمانات الكافيه للمستثمرين والمقرضين للتوسع في تمويل مشاريع التطوير الشاملة.
- تطوير الأنظمة الإنشائية والكهرميكانيكية ذات الكفاءة العالية والخافضة للتكلفة والمراعية لاحتياجات الاسره السعودية والمتوفرة في الأسواق المحلية.
- التوسع في استخدام النمذجه والتوحيد القياسي والوحدات المجزئة لتقليص التكلفة للمكونات المعمارية المتكررة والبذل في البحث العلمي المحقق لهذه النظم وتشجيع الاستثمار في هذه الصناعات.
- تطوير النظم والتقنيات المناسبة لتخطيط وجدولة وإدارة الموارد لرفع الكفاءة والإنتاجية والمحافظة على الجودة.
- نشر الوعي حول تكلفة التشغيل والصيانة وتطبيق آليات خفض تكلفة الطاقة والترشيد في استخدام المياه.
- السعي في إقناع جهات الاستثمار الحكومية على الدخول كشريك لشركات التطوير.