هذه هي المقالة الثالثة في سلسلة القراءة في دفاتر الصحافة، الأولى كانت بعنوان (قراءة في دفتر الصحافة) ثم (قراءة في دفتر الصحافة السعودية) واليوم (قراءة في دفتر جريدة الجزيرة) وأعلن مقدماً موقفي المنحاز بالعاطفة لهذه القراءة، لِمَ لا وأنا أحد كتّابها، فهي لي نافذة تماماً كنافذة بيتي أو نافذة مكتبي، علاقتي بها علاقة شخصية، ومع هذا فإذن قراءتي هذه ليست قراءة عابر سبيل بل قراءة متأنٍ محترف يقرأ ثماني صحف سعودية يومياً على مدار الثلاثين عاماً الماضية، تركت لأجلها الهندسة التي درستها واشتغلت بها بعد تخرجي لأتفرغ للعمل في مجالات الثقافة والإعلام.
يمكنني الانطلاق في هذه القراءة من تقرير الأستاذ خالد المالك في كلمته أمام المؤتمر الستين لاتحاد الصحف في كيب تاون عام (2007م) عن واقع الصحافة العربية حيث قال: «إن المؤسسات الصحفية العريبة أضعف من أن يكون لها مكان بين الصحف العالمية بواقعها الحالي».. ومن الواضح أن القائمين على الجريدة قد وعوا هذه القضية وبدأوا في اتخاذ الخطوات التي تهيء مؤسسة الجزيرة الصحفية ليكون لها مكان بين المؤسسات الصحفية العالمية.
فيا ترى كيف يمكن وصف جريدة الجزيرة؟.. فهي تقدم أفضل صفحة رياضية في الصحافة السعودية، وهي تملك أقدم صفحة فنية تشكيلية في الصحافة السعودية، وهي من أكثر الصحف توسعاً في إقامة المكاتب في المناطق مما أتاح لها إصدار صفحة محليات يومية شاملة، وهي صاحبة الملحق الثقافي المميز في الصحافة السعودية، وهي الصحيفة السعودية الوحيدة التي تعلن عن أرقام المطبوع منها والمباع والرجيع على صدر صفحتها الأولى، وهي الصحيفة الوحيدة التي لديها ستة كراسي بحث ودراسات إعلامية في ست جامعات سعودية، ولديها عبدالله جابر النجم الصاعد في سماء الكاريكاتير اليومي السعودي، أعرف أن صيغة الوصف بوزن أفعل مستفزة حتى لو كانت صادقة، لذلك أرجوكم نحوا هذا القول جانباً واعقدوا المقارنة بأنفسكم وكفى بالمرء على نفسه شهيداً.
يعلق البعض بأن سبب نشر (الجزيرة) لأرقام المطبوع والموزع من الجريدة على صدر صفحتها الأولى هو أنها توزع بعض ما يطبع مجاناً على الكراسي البحثية في الجامعات، ويرون أن التوزيع المجاني يُضعف من احترام القراء لها، وهذا التعليق يخالف الاتجاه العالمي للنشر الصحفي وهو التوزيع المجاني، وذلك أن الصحف لا تعتمد على دخلها من البيع بل على الإعلانات، والمعلن يهمه بالدرجة الأولى دخول إعلانه إلى كل بيت ولا يهمه إذا كان دخولها شراء أو مجاناً، والشيء الآخر أن أحد أهم أسباب الولاء للجريدة هو التعود، وتوفرها الدائم في البيت يخلق تلك العادة لدى أفراد العائلة وهذا مكسب كبير على المدى الطويل.