Al Jazirah NewsPaper Wednesday  03/03/2010 G Issue 13670
الاربعاء 17 ربيع الأول 1431   العدد  13670
 
بلا تردد
متى نلتفت للحضور ونحرك ساكنه.. تحريكنا للغياب.؟!
هدى بنت فهد المعجل

 

ونحن في أوج استعدادنا له، تخلّف عن المجيء...!!

تأخر عن الحضور...!!

غاب عن مكاننا والزمان، في حين أنه حضر في أمكنة أخرى، في ذات الزمان...!!

تصرّف لم نعتده من الشتاء؛ لكنه اقترفه، اقتراف البشر لأفعال لم نعتدها منهم أو نعتاد عليها..!!

شتاء هذا العام أتى خفيف الظل.. هادئاً.. رزيناً.. متزناً.. منضبطاً في تعامله مع أجسادنا.. وبالتالي جاء مخيباً لآمال تجار الملبوسات، والملبوسات الشتوية تحديداً.. ولم أقف على نسبة الخسارة المادية كي أنوّه عنها وأشيّر إليها، بيد أني أتساءل:

هل سيعمدون إلى تخزين ملابس هذا العام (2010م) الشتوية الكاسدة بنية تصريفها العام القادم، وبالتالي لن يتمتع المستهلك بلوك 2011م..!!؟

لماذا لا بد أن يتحمل المستهلك تبعات خسارة التجّار!!؟

تخلّف الشتاء، الشتاء أضرّ بالتجار، وسلمت أجسادنا من أمراض الشتاء المعتادة..!! فرب ضارة نافعة، كما وربّ نافعة ضارة. حيث إن التخلف عن المجيء ليس دائماً سلبي النتائج وكثيراً ما يمنّ علينا بنتائجه الإيجابية، الإيجابية.

فصل الشتاء انقضى أو يوشك على الانقضاء!! لكن فعل الحضور وفعل الغياب لا ينقضي ما استمر الكون، ودامت الحياة للبشر وللكائنات الحية كافة.

أكثر جهة تهتم بالحضور وبالغياب، وتحاسب عليه أو تعاقب، الدوائر الوظيفية والجهات التعليمية بحيث يحسم من راتب من غاب أو تخلف بدون عذر، ومن درجات المواظبة للطلبة. حيث يقابل الغياب نقص وحسم، دون أن يتم تحريك ساكن الحضور، تحريكهم للغياب!!

حضور الشتاء استدعاء للملابس الثقيلة.. وغيابه استغناء عنها..!! وهنا حركة وتحرك بقصد إراقة دماء السكون والثبات؛ لأن الثبات جمود في حين أن سمة الحياة التجدد والنمو والتطور.. فأي تطور وجدناه، والحضور لا يغير ساكناً!!

نحن نتغير ونغير باستمرار مظهرنا الخارجي أو ما يطلق عليه (اللوك) تزامناً مع تجدد الموضة وحركة بيوتات الأزياء.. نستبدل السيارة.. نعيد تنجيد الأثاث.. نرمم المنزل.. نواكب التقنيات الحديثة والأجهزة الإلكترونية.. كل ما يقع عليه بصرنا نهتم بتجديده ما أن يحضر الجديد، وبالتالي نتولى تغييب القديم أو التخلص منه واستبداله بجديد حضر.

حواسنا تشترك في مؤامرة استبدال الجديد الحاضر والاستغناء عن القديم بتغييبه عن الوجود.. ورب مؤامرة نتائجها إيجابية.. فهل وأنت في أوج التجديد.. والتنجيد.. والاستبدال.. والترميم.. ومواكبة أو متابعة أحدث ما أنتجته دور الأزياء وبيتوتات الموضة بحيث أرضيت غرور المظهر، هل اهتممت بالجوهر!؟ بفكرك.. بوعيك.. بإدراكك.. بذهنك.. وبصفة الجمود والتبعية التي لا تنفك تلازم جوهرك وبالتالي يعتريني الفشل كلما حاولت الجمع بين مظهرك وجوهرك.. بين فخامة منزلك و(عقم) تفكيرك.. بين حداثة سيارتك و(تأخر) وعيك.. بين سحر عطرك و(نتانة) سلوكك.. بين تقدم مركزك و(تخلف) عقلك.. بين ما لا تسهم اللغة في ذكره وتعداده أو حصره.

أفهم أن حضور الشيء يعني غياب نقيضه.. فحضور الشتاء غياب للصيف.. وحضور الليل غياب للنهار.. وحضور الجوع غياب للشبع.. وحضور المرض غياب للصحة.. وحضور الثراء غياب للفقر.. وحضور الرداء غياب للعري.. وحضور الأطفال غياب للعقم.. فلماذا، رغم حضور (العقل) تغيب كل صفة تدلل عليه!! مشكلة أو قضية ومسألة حيرتني.. وتحيرني.. وستظل تحيرني ما استمر العقل كتلة جامدة في جمجمة من لم يعي بعد ما معنى أن (يمتلك عقل)!!.

صفقت بحرارة للمفكر الإسلامي (إبراهيم البليهي) وأنا أتابعه أثناء حوار (تركي الدخيل) له. وجدته وأجده وكثيرون مثله ومثلي مهمومين بوضع الفرد فينا، فهو، أي الفرد العربي (كما أشار) ليس قادراً أن يفكر تفكيراً مستقلاً.. فهو روح المعيّة وروح القطيع وذائباً فيه.. هو نسخة مكررة للآخرين.. مطموس الفردية ومستثار ويدفع للهلاك.. هو وهم طوفان من البشر تحركهم العواطف وتؤثر فيهم اللحظة العابرة.. فيكفي أنه يأكل ثمرة من شجرة لا يعرفها أو يحاول معرفتها وعقله (حاضر) في جمجمته ساكن جامد لا يتحرك أشبه ب(غائب) يدّعي الحضور ويتوهمه.

P.O.Box: 10919 - Dammam 31443


happyleo2007@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد