أعود مرة أخرى للحديث استكمالا لما ذكرت في مقالي السابق عن حادثة دبي، فهي ليست حادثة عادية، والشجاعة الضخمة سواء في سرعة الاستجابة أو إدارة الأمور بحكمة من شرطة دبي، لا يجب أن نغفله، شيء مهم جداً يجب أن يكون الحديث عنه، وهو أن نصف الجوازات المستخدمة في العملية هي جوازات بريطانية، وهذا يعني أن الجواز البريطاني قد سهل مرور العصابة، مما يفرض تساؤلاً مهما.. هل هذا يعني أن عددا ليس بالقليل من الشعب البريطاني هو عميل للموساد؟ وأن على حكومة دبي أن تُعامل كل الرعايا البريطانيين كما لو كانوا متهمين؟!
أقول هذا بعد أن صرنا كسعوديين نُعامل في كثير من الدول برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية كمتهمين بالإرهاب حتى يثبت العكس، ولعل آخر تلك الإجراءات حكاية التصوير الضوئي. لنربط الأحداث ببعضها البعض ونقارن، في 11 سبتمبر كان على الطائرة المختطفة مجموعة سعوديين، وبناء على ذلك اتخذت الحكومة الأمريكية عشرات القرارات في الهجرة خصت السعوديين منها، وعدد من الدول التي لا تقيم واشنطن أي نوع من العلاقات الدبلوماسية نفس الإجراءات، ألا يبدو الأمر قابل للمقارنة، لماذا لم تحكم حكومة دبي على كل البريطانيين بنفس الحكم الذي حكمت فيه الحكومة الأمريكية على السعوديين؟ إن كانت أمريكا عانت من الإرهاب فالسعودية عانت هي أيضاً، والآن تعاني دبي من الإرهاب المنظّم الذي تقوده الموساد عن طريق إجراء اغتيالات على أرضها.
فعلى الرغم أن الإرهاب المنسوب للمسلمين والعرب هو شأن فردي في الحقيقة لا شأن حكوماتي منظّم عكس ما حدث في دبي فهو شأن حكوماتي سلطوي تعي وتعرف معنى السيادة والاغتيال على أراضي الغير ومع هذا تفعله بكل جرأة ووقاحة والكل يعرف أن أصابع الاتهام لن تغادر الموساد التي لا تهتم أو حتى تلقي بالاً غروراً واستكباراً!
الفرصة مناسبة لمناقشة الإجراءات والمقارنة لا للإجراءات، فالحكومات هي التي تقرر الإجراء المناسب لكني هنا أناقش من أجل الوعي ومن أجل الفهم وإدراك الحقائق كما ينبغي أن تجري فهناك إرادة أقوى من إرادة الحدث العابر. إن الشعوب التي لم تفعل شيئاً وهي التي تتضرر من الإجراءات الأمريكية والأوربية تجاه العرب في كل مكان هو أكثر من حادثة فريدة، في نظري إنها رغبة منظّمة للسيطرة على أرض الأديان وملتقى القارات القديمة لتوجيه الصراعات فيها باتجاه أكثر(مصالحية) إن صح التعبير لصالح الدول الغربية التي تتقاطع مصالحها الاقتصادية مع مصالح اليمين المتطرف النامي فيها.
أخيراً، إن الإجراءات الأوربية المحتملة في حادثة دبي لا تعدو عن شيئين يعملان في توازن فريد، أولاً ذر الرماد في العيون من خلال زعم التعاون غير المثمر، والآخر هو توجيه العملية نحو نقاط ليست هي أصيلة كي تطويها أدوات النسيان العربية أو خلق أحداث جديدة تساعد في طي الصفحة من خلال العقل العربي الذي ينسى ويغفر ويسهل استغفاله مدعوماً بآلة أوربية وربما أمريكية إعلامية ضخمة تقلل من أهمية ما حدث وتجعله ينحصر في أخطاء لوجستية.
الأيام حبلى بكل جديد، وشخصياً لن أضع مكاني مكان المستسلم للآلة الإعلامية العالمية فالمعطيات قد لا تكون كاملة للرأي العام، ولكن ما يحدث هو نقطة تحول ضخمة جداً في تاريخ دولة الإمارات وخاصة إمارة دبي، ولازالت شرطة دبي تضيف متهمين جدد للقائمة وتُظهر خيوط جديدة للعملية وتُدخل أسماء وجنسيات جديدة أيضاً تجعلنا نحتار، هل في العالم عصابات في شكل دول؟!
هذا الحديث ليس تحليلاً سياسياً أو مقالاً تشخصيّاً في مجال الجريمة الدولية وليس أيضاً تقييماً للأداء الأمني في دبي أو تقريراً عن أنشطة الاستخبارات الإسرائيلية، إنما مجرد رؤية لإنسانة متابعة لما يحدث ولا تزال ترفع حاجبيها دهشة!
www.salmogren.com