كثر الحديث في الأسابيع الماضية عن «إعانة البطالة» التي ناقشها مجلس الشورى وسيوافق عليها إن لم يكن بالإجماع فبالأغلبية، وأغلب الظن أنها ستقر من مجلس الوزراء أيضاً، وخلاصة الأمر، أن الدولة قادرة والمواطنين يستحقون كل هللة أو ريال تدفع للمواطن هي في محلها وتعود بالنفع الكبير والكثير بشكل مباشر أو غير مباشر.
«إعانة البطالة» أمر مأخوذ به في كثير من دول العالم الصناعي، بل هو واجب حتمي على حكومات تلك الدول التي تسن الضرائب وتقوم بجبايتها وبالتالي فهي ملزمة بدفع جزء من تلك المداخيل المالية كتعويض للعاطلين لما أصابهم نتيجة الانكماش في الاقتصاد أو تغير في التجارة والصناعة بشكل كلي أو جزئي.
العطالة أو البطالة، من ناحية أخرى، صنوان للعمل، حيثما وجد العمل توجد البطالة، تتطور الأساليب والأدوات وينتج عن ذلك تقليل أو ترشيد في الأيدي العاملة، وهكذا كان الأمر منذ الأزل، وسيظل إلى الأبد. ولذا، فإن إقرار إعانة للعاطلين أو تقرير حد أدنى للأجور أو فرض ضرائب أو غير ذلك مما هو معمول به في دول العالم الصناعي والحديث أمور ليست غريبة ولا يجب أن تكون كذلك.
سوق العمل السعودي مليء بالتشوهات إلى حد كبير ولا بد من معالجتها والإعانة المقترحة هي واحدة من تلك المعالجات في ظل انشغال وزارة العمل بترتيب البنية التحتية لسوق العمل بدءاً من جمع الإدارات ذات العلاقة بسوق العمل، إصدار نظام العمل الجديد، إقرار إستراتيجية التوظيف السعودية، التنسيق مع الوزارات الأخرى ذات التأثير المباشر على سوق العمل وانتهاء بكثير من التحسينات التي تقوم بها الوزارة يومياً لعمل شيء، أي شيء، يساعد سوق العمل السعودي على التوازن في ظل مشاريع حيوية وتنموية متسارعة تقرها الدولة، ومن جانب آخر، يعتمد قطاع الأعمال -الذي يبحث عن الربح، وهذا من حقه- على عمالة أجنبية رخيصة ومقيدة بنظام الكفيل حيث تقوم تلك العمالة الوافدة بالعمل وتمنح التاجر هامشاً ربحياً أكبر وراحة ذهنية أكثر من القلق القانوني الذي يسببه العامل السعودي من وجهة نظر «رجل الأعمال» السعودي.
لكن، ولابد من لكن وبالحجم الكبير والبنط العريض، هل الإعانة المقترحة ستصلح سوق العمل السعودي؟ هل ستخفي الإعانة، أو ستخفف، من التشوهات في سوق العمل؟ هل سيقنع العامل السعودي العاطل بمبلغ الإعانة؟ هل ستصلح الإعانة حال قطاع الأعمال لكي يصبح توظيف العامل السعودي أمر مرغوب؟ هل سيحفز مبلغ الإعانة طالب العمل على البحث عن عمل أم أن المبلغ سيزيد الطين بلة لكي يطالب الباحث عن عمل بمبلغ أكبر أخذا في الاعتبار مبلغ الإعانة؟ من سيقوم بتحديد من يستحق ومن لا يستحق الإعانة؟ ما هو حجم المحسوبيات والتلاعب الذي سينتج عن هذه الإعانة؟ هل وزارة العمل قادرة بما تملكه من كوادر بشرية وإمكانيات فنية وتقنية من أن تتعامل مع الحجم الكبير والهائل والذي سيتضاعف مرات عديدة بمجرد إقرار الإعانة؟ هل ستنشغل وزارة العمل بإعانة البطالة عن إعادة العمالة الوطنية إلى مكانها الطبيعي؟ الأسئلة لا تنتهي، ولكن من ناحية أخرى، هل القرار انتقام من وزارة العمل على التباطؤ الحاصل في السعودة وتوطين الوظائف؟ هل التفاعل الإيجابي مع قرار «إعانة العاطلين» شعورا مبطناً لصرف ما يمكن صرفه من خزينة الدولة؟ بمعنى آخر، هل هو اتهام غير مباشر للحكومة بالتقصير؟.
المفارقة العجيبة، أن مبلغ الإعانة للفرد العاطل (1000 ريال) أقل مما يجب، كما أن المبلغ الإجمالي السنوي (5.640.000.000) أكثر من خمسة مليارات ريال حسب أكثر الإحصائيات تحفظاً، هو مبلغ أكثر مما يجب دفعه لمعالجة وقتية ضررها أكبر من نفعها.
دعونا نتخيل أن هذا المبلغ أو نصفه أو ربعه أو العشر فقط تم رصده لوزارة العمل لجهود السعودة والتوطين، وإدارة التفتيش في الوزارة تحديداً، أنا أجزم بأنه لن يبقى سعودي واحد عاطلاً. متابعة قرارات السعودة بشكل فعال ومنهجي أمر ضروري وحتمي من خلال زيارات متكررة من مفتشي وزارة العمل سيمكن كل سعودي وسعودية من العمل. لكن كيف تستطيع وزارة العمل ممثلة في إدارة تفتيش قوامها لا يتعدى 200 موظف موزعين على مدن ومحافظات المملكة أن يتابعوا أكثر من مليون منشأة تجارية وصناعية؟.
دعونا نتخيل، أيضاً، أن هذا المبلغ أو نصفه أو ربعه أو العشر فقط تم رصده للتعاقد مع شركات خاصة للتفتيش والتوظيف لحصر الفرص الوظيفية في منشآت القطاع الخاص وتشغيل العاطلين عن العمل بالتعاون مع وتحت مظلة مكاتب العمل في مدن ومحافظات ومناطق المملكة المترامية الأطراف. لقد قام صندوق تنمية الموارد البشرية بخطوة رائدة وجبارة في إطلاق «مشروع التعاون مع مكاتب التوظيف الأهلية» والتوقيع مع عدد من مكاتب التوظيف في المرحلة التجريبية الأولى، ولكن الأمر يقتضي أن تتفاعل وزارة العمل وتتعاون في هذا الأمر لأنها الجهة المعنية.
أمر السعودة أو التوطين -لا مشاحة في المصطلح كما يقول الفقهاء- بسيط جداً، ولا نقول سهل، مع احترامنا الشديد لجميع الآراء والنظريات الخاصة بمخرجات التعليم ومدخلات سوق العمل، والثقافة الاجتماعية والمجتمعية، وثقافة العمل ومهاراته، ونواحي الإنتاجية التي ليست إلا كلمات وآراء ونظريات حق مراد بها بطالة. السعودة تحتاج إلى ثلاثة عناصر: إرادة وإدارة وموارد.
الغريب العجيب، والمضحك المبكي، أن العناصر الثلاثة متوفرة، لكنها موزعة أو بالأحرى مشتتة. الدولة لديها الإرادة ولكنها أوكلت الإدارة للحكومة ممثلة في وزارة العمل التي لا تدير، كما أن الدولة لديها الموارد لكنها أوكلت الأمر إلى وزارة المالية التي لا تريد.
السعودة، في مفهومنا وتعريفنا، هي منتج اجتماعي عزف عنه المستهلك. وبالتالي تحتاج إلى تسويق. كيف؟ إذا كانت ميزانية التعليم والتدريب في عامنا الحالي بلغت 137 ألف مليون ريال سعودي أي ما يعادل 25 في المائة من حجم الميزانية، بمعنى آخر، أن ميزانية التعليم والتدريب هو ما ندفعه سنوياً على إنتاج الكوادر البشرية الوطنية. السؤال المطروح: كم نسبة التسويق السنوية المفترضة لتسويق تلك الكوادر الوطنية في سوق العمل؟ أياً كانت النسبة وأياً كان حجمها فهو ما يجب رصده سنوياً لتتمكن وزارة العمل وإداراتها ومكاتبها من توظيف ومتابعة السعودة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
أخيراً، من واجب مجلس الشورى مناقشة البطالة والعطالة والعمالة والعمل والأجور وحدها الأدنى والتوصية بشأنها فكل تلك الأمور مما يشغل بال المواطن بشكل يومي. ومن حق العاطل عن العمل أن يعمل وبأجر يكفيه وإذا لم يعمل فمن حقه الحصول على إعانة تكفيه وأسرته. من جانب آخر، أنه من اليسير إقرار إعانة للبطالة في بلد مثل المملكة، هنا دولة كريمة وشعب كريم، لكنه من العسير إلغاء الإعانة بعد إقرارها في حال عدم تحقيقها للأهداف المتوخاة، أو ظهور سلبيات في التنفيذ. أليس حري بمجلس الشورى أن يطالب برفع ميزانية وزارة العمل بشكل يمكنها من القيام بدورها الموكل إليها خصوصاً وأن إستراتيجية التوظيف السعودية التي أقرها مجلس الوزراء قبل أشهر تحتم على الوزارة توظيف (260.000) مواطن ومواطنة في عامها الأول (هذا العام) كحد أدنى لكبح جماح نسبة البطالة بين المواطنين، وهو نفس الرقم الذي تقذف به الجامعات والكليات والمعاهد سنوياً إلى سوق العمل.
ختاماً، أتمنى أن نشاهد حلقة خاصة مثيرة في البرنامج المتميز 99 في القناة الأولى يناقش هذا الأمر الحيوي والهام.
باحث سعودي
turadelamri@hotmail.com