أما وأن حديثي عن (الخلايا الإرهابية النائمة) لا أيقظ الله لها سباتا، فلا بأس أن أذكر طرفة حكاها لي أحد الأشقاء السودانيين، مفادها أن زعيم القاعدة (بن لادن) وحين طرد من أفغانستان، ولجأ إلى السودان بدعوة من الشيخ المثير للجدل (حسن الترابي)، أراد أن يجند بعض الشباب السوداني للالتحاق ب»القاعدة»، ولأن السوداني بطبعه إنسان مسالم، يركن إلى الدعة والهدوء، حتى اتهم بالكسل عند البعض، وهي فرية تنفيها حيوية والتزام الإخوة السودانيين في الأعمال الموكلة إليهم. المهم أن أولئك الشبان أرادوا أن يفوزوا بعطايا (بن لادن) دونما عناء أو مشقة، فما كان منهم إلا أن قالوا له: «احنا حاضرين يا شيخ.. بس دايرين تسجلنا كخلايا نائمة!!»
أعود للجد، فأقول إن تلك الخلايا النائمة والتي لا نكاد نسمع لها ركزا إلا حينما تستيقظ، وتسفك الدماء، وتستبيح أموال وممتلكات الناس, هل هي نائمة فعلا؟ أم أن نومها ك(نوم) الذئاب المخاتلة، والتي وصف نومها أحد الشعراء الأقدمين, حين قال: «ينام بإحدى مقلتيه ويتقي/ بأخرى المنايا فهو يقضان نائم»؟!
أشعر بالحزن، وأنا أرى بعض شبابنا, والذين كانوا مثالا للتسامح والمحبة والتدين الوسطي وقد تحولوا إلى وحوش شرسة تبحث عن فريسة تحت ذريعة (الجهاد) نتيجة للشحن النفسي والديني الذي يقوم به «مشايخ» التكفير والغلو، من تطويع النصوص المقدسة لخدمة أهدافهم القميئة، والدفع بهؤلاء الشباب الغر إلى أتون الموت والانتحار والتدمير. «الخلايا النائمة» لا تقل خطورة عن الخلايا النشطة، ونومها المخادع ما هو إلا وسيلة للهروب من أعين رجال الأمن في البلدان التي يعيشون فيها، فهي تتحين الفرصة للإقدام على أي عمل إجرامي يوكل إليها من قادتها. مؤلم حقا حين يتحول بعض شباب هذا الوطن إلى مشروع مقاتلين أميين لا يتورعون عن تحويل أجسادهم الغضة إلى أشلاء متناثرة جراء عمل إجرامي يؤدي إلى قتل الناس الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ ورجال الأمن الساهرين على حماية الوطن. أولئك الشباب في يقيني ضحايا فكر إجرامي منحرف وموغل في دمويته، لا يقيم وزنا للنفس البشرية التي حرم الله قتلها أو الاعتداء عليها دون مبرر شرعي يجمع عليه علماء الأمة وولاة أمرها. واللافت أن أيا من القيادات «الإسلاموية» لم تقدم أحد أبنائها ليكون في مقدمة الانتحاريين، وهذه مسألة عجيبة, مع أن أغلبهم مقترن بأكثر من امرأة، ولديه «دزينة» من الأولاد، وهذا يوضح مدى التغرير بأولاد الفقراء، والعاطلين، والباحثين عن «حور العين» عبر دماء الأبرياء، ولعل من المحير فعلا انخراط فئة ماكرة من أصحاب المؤهلات العليا كالخلية التي نجح رجال الأمن البواسل في ضبطها مؤخراً تشير إلى استفحال هذه الخلايا في أوساط بعض الشرائح التي كانت إلى قريب بمنأى عن الوقوع في حبائل هذا الفكر التدميري، والتي يفترض فيها -أعني تلك الشرائح- أن تقيم للنفس البشرية وزنا، وأن تحسن إلى الوطن الذي ساهم في تعليمهم وتوظيفهم، ومد يد العون إليهم. لدي قناعة تصل إلى حد اليقين فحواها، أن الإسلام بسماحته، وعدله، واحترامه للنفس البشرية يتعرض لمؤامرة خطيرة بغية تفريغه من بعده الإنساني من خلال بعض المحسوبين عليه، وتلك لعمري كارثة حقيقية، ما أحرانا لكشفها ومحاربتها والتبرؤ منها.
- أيها الدين الخاتم.. كم من الجرائم ترتكب باسمك!!
alassery@hotmail.com