يقول ابن منظور: الحقد هو إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها، ويقول الجرجاني: الحقد هو طلب الانتقام، وقيل الحقد: هو سوء الظن في القلب على الخلائق لأجل العداوة، يحدث بسبب خبث النفس وشحها بالخير وينتج منه الحسد والتشفي والانتقام، وهو داء دفين يفتك بالأفراد والمجتمعات، ويصدر عنه كثير من الرذائل التي رهب منها الإسلام، كالافتراء والكذب والغيبة وسوء الظن وتتبع العورات واللمز والتعيير وغير ذلك، لذلك هو من الأمور المحرمة ومعرض صاحبه لعدم مغفرة الله تعالى، ففي الحديث الذي رواه الطبراني، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من لم يكن فيه واحدة منهن، فإن الله يغفر له ما سوى ذلك لمن يشاء: من مات لا يشرك بالله شيئاً، ولم يكن ساحراً يَتَّبع السحرة، ولم يحقد على أخيه)، وفي حديث آخر ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني أن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (النميمة والشتيمة والحمية في النار)، وفي لفظ: (إن النميمة والحقد في النار، لا يجتمعان في قلب مسلم).
إن المتتبع لما يقوله ويكتبه أعداء بلادنا - لاسيما من هم في الخارج - عبر قنواتهم ومنتدياتهم ونشراتهم ودروسهم ومحاضراتهم، يجد تمكن هذا الوباء من قلوبهم المريضة وتحكمه بعقولهم الجاهلة بأحكام الشرع الصحيح، وفتكه بنفوسهم الشريرة، وصدق الخليفة الراشد عثمان ابن عفان رضي الله عنه: (ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله سبحانه وتعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه). فهم يهتمون بأمور قد تكون عادية تحدث من باب عدم الكمال والنقص البشري ولكنهم يعظمونها ويفخمونها ويجعلون منها موائد لاصطياد السذج من الناس لا يدفعهم إليها سوى حقدهم الدفين وخبث نفوسهم الأمارة بالسوء، بل يصل بهم الأمر إلى تحميل البشر ما يحدث بالقضاء والقدر، وليس لهم هدف إلا تكثير اتباعهم وكسب ود أصحابهم والنيل ممن يحقدون عليه، ولكن العاقل لا ينطلي عليه مثل ذلك، ولا يسلم نفسه لمن يريد هلاكه، إنما يراقب الله سبحانه وتعالى بأقواله وأفعاله، ولا ينساق وراء كل ناعق، ولا يكون غبياً وضيعاً ينظر إلى الأمور نظرة قاصرة لا تتجاوز شهواته الخاصة، ويحذر مضار الحقد ومنها: القلق النفسي الدائم، فالحاقد دائماً قلق لا يهدأ له بال طالما رأى نعمة الله يسعد بها سواه، وأنه رجل مضلل ضائع مخطئ في تقديره فهو محصور التفكير في الدنيا ومتاعها ويتَّبع بالغيظ من نال منها حظاً أوفر، وأنه جاهل بربه وبسننه في هذا الكون، لأن لله حكماً قد لا تظهر في التو واللحظة، وقد يكون ما ظنه الحاقد نعمة فاتته وأدركت غيره مجرد ابتلاء واختبار تجلب على صاحبها من العناء ما لا يطيقه الحاقد الذي تمناها.
نعوذ بالله من الحقد وأهله، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل كيد كل حاقد في نحره وأن يجعل تدبيره السيء لهذه البلاد وأهلها سبباً في تدميره إنه سميع مجيب.
حائل