Al Jazirah NewsPaper Friday  19/02/2010 G Issue 13658
الجمعة 05 ربيع الأول 1431   العدد  13658
 

ثمنوا دعم ولاة الأمر لها.. عدد من الأكاديميين المختصين في القرآن الكريم وعلومه يؤكدون:
دعم الجمعيات القرآنية ضرورة لتحصين الشباب من التشدد والانحراف

 

الرياض - خاص بـ الجزيرة :

أبدى عدد من الأكاديميين والمتخصصين في القرآن الكريم وعلومه، ارتياحهم الكبير وامتنانهم العظيم للعناية التي أولاها ويوليها قادة هذه البلاد المباركة للقرآن الكريم، وتعليمه للبنين والبنات، والحرص الذي يولونه لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم في جميع أرجاء المملكة.. الأمر الذي أثمر عن إعداد أجيال متتالية من حفظة كتاب الله، والملتزمين بآدابه وأحكامه في جميع أعمالهم وسلوكياتهم.

وأكدوا - في أحاديث لهم - أن حلقات التحفيظ، والدور النسائية، كان لها - بعد فضل الله - الأثر الكبير في حماية المجتمع، وإشغال أوقات ناشئته وشبابه من البنين والبنات فيما هو مفيد لهم، ولأسرهم، ومجتمعهم.

الارتقاء بمستوى المعلمين

ففي البداية يقول نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه الدكتور عماد بن زهير حافظ: إن من فضل الله - تعالى ومنّته - على بلاد الحرمين الشريفين (المملكة العربية السعودية) أن هيّأ لها قادة عظاماً جعلوا القرآن الكريم دستوراً لها ومنهجاً وطريقاً، ووفقهم الله تعالى للعناية بهذا القرآن العظيم، كذلك من حيث تحفيظه وتعليمه ونشر هديه، فكانت الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وتعليمه، بإشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، فما فتئت هذه الوزارة الفتّية بكل أجهزتها، تحت الخطى نحو المزيد من العناية بهذه الجمعيات والقيام بدورها على الوجه الأكمل، وها هي اليوم الجمعيات العاملة في خدمة كتاب الله تعالى تحفيظاً وتعليماً تقوم بدورها المناط بها خير قيام وتزداد أعداد الطلاب والطالبات في المدن والمحافظات والقرى والهجر يوماً بعد يوم.

وأهاب الدكتور عماد حافظ بالجمعيات في هذه المرحلة المهمة من عمرها أن تبذل المزيد من العناية بالارتقاء بمستوى أداء المعلمين والموجهين، وعليها أن تضع برنامجاً جاداً ومتميزاً للدورات التطويرية والتدريبية لمعلميها وموجهيها، هذا مع الارتقاء بالطلاب والطالبات من حيث إتقان الحفظ والتجويد والتخلق بأخلاق القرآن الكريم حتى يكونوا مصاحف تمشي على الأرض فتسعد بيوتهم ومجتمعاتهم بهم، ويفخر الوطن بهم، هذا مع الارتقاء أيضاً بالشؤون الإدارية بالجمعيات من حيث التخطيط والتنظيم والمتابعة ودفع عجلة التطوير الإداري والعلمي والإعلامي خدمة لكتاب الله الكريم وأهله.

الدعم المستمر

أما الدكتور مانع بن محمد المانع - عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة فيشير إلى أن من حسنات بلادنا الغالية اهتمامها بتعليم كتاب الله - عز وجل - على نطاق واسع؛ ولهذا أسست أمانة عامة تابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد للإشراف على الجمعيات الخيرية لكتاب الله - عز وجل - انطلاقاً من دورها العظيم في خدمة الإسلام، ولأنها تبوأت مكانة عظيمة فهي مهبط الوحي ومعقل الإسلام وبلد التوحيد وتخدم الحرمين الشريفين.

وأكد أن الجمعيات والمؤسسات لتعليم تحفيظ القرآن الكريم نجحت نجاحاً منقطع النظير وحققت إنجازات رائعة وخرّجت وما زالت تخرّج أفواجا من الشباب حفظة القرآن الكريم وصار لهم دوراً عظيماً في المجتمع، بل انتشرت في بلادنا المباركة جمعيات كثيرة، وفي السنوات الأخيرة جاءت الدور النسائية المسائية تضم نخبة من الأخوات الفاضلات أقبلن بهمة عالية وعزيمة صادقة لحفظ كتاب الله تعالى، لقد زرتُ مجموعة منها لإلقاء محاضرات على الأخوات عبر الشبكة، وسررت كثيراً لما رأيت من جهود عظيمة، لقد دعم ولاة أمرنا - وفقهم الله - هذه الجمعيات وهذه الدور النسائية مادياً ومعنوياً فأصبحت تضم أوقافاً تدر عليها دخلا سنويا وأصبحت قادرة على الإنفاق عليها من ريع أوقافها بجهود منظمة وموفقة.

وقال: ولهذا كله أصبح لها دور رائد ومهم تجاه شبابنا وفتياتنا ولم تكتف بالحفظ، بل أصبحت تدرس القراءات العشر، ومنظومة ابن الجزري، وتحفة الأطفال، وعلوم القرآن وتفسيره، فأسأل الله العلي القدير أن يبارك فيها وفي القائمين عليها، إنها مفخرة لهذه البلاد وحسنة عظيمة في حسناتها وإنجاز عظيم من منجزاتها بدأ بها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - وسار أبناؤه البررة الغر الميامين على طريقة رعاية وعناية ومتابعة ودعم، فشكر الله للجميع وبارك فيهم وأثابهم على ما قدموه.

وشدد على أهمية الاستمرار في دعمها وتخصيص جزء من الميزانية المباركة لكل جمعية، ومنها مبان لتكون أوقافاً لها، وكذلك إنشاء مؤسسة عامة لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم ترعى شؤونها وتشرف على أوقافها، وتقديم الأولوية عند تعيين الأئمة والخطباء لحفظه القرآن الكريم، وكذلك القبول في الجامعات والدراسات العليا والمعاهد وكذلك الوظائف الإدارية. فما أعظم القرآن وما أعظمه من مؤهل يفوق الشهادات العليا، ويفوق المزايا والأوسمة والرتب، فهو يسمو بحامله إلى أعلى الدرجات.

المزيد من البذل والعطاء

وفي ذات الشأن يقول د. محمد بن سيدي محمد الأمين - الأستاذ بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: إن من تكريم الله لعبده أن يجعله من حملة كتابه التالين له العاملين به الحافظين لحدوده قال - تعالى -: ?ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بإذن الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ? (32) سورة فاطر، لقد كان السلف الصالح لهذه الأمة من أشد الناس حرصاً على الاهتمام بكتاب الله تلاوة وتعلماً وتعليماً بعد سماعهم الأحاديث الدالة على الترغيب في تعلمه واستظهاره كما جاء في الحديث الصحيح عند البخاري وغيره (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) فكانوا لا يقدمون على تعلمه شيئاً من العلوم، بل جعلوه في المحل الأول يتنافسون في حفظه ويتسابقون في فهم معناه وجعلوه مسلاتهم في فراغهم ومتعبدهم في ليلهم حتى كان يسمع لهم بقراءته دوي كدوي النحل، ولقد وصفهم واصف، فقال: (كانوا رهباناً بالليل فرساناً) بالنهار ?كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ?.

وعن عقبة بن عامر قال: (خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً ونحن في المسجد نتدارس القرآن فقال: (تعلموا كتاب الله عز وجل واقتنوه، قال: وحسبت أنه قال: واغنوا به) رواه أحمد والدارمي، وعن الأعمش قال: مرَّ أعرابي بعبد الله بن مسعود، وهو يقرئ قوماً القرآن، فقال: ما يصنع هؤلاء ؟ فقال ابن مسعود: يقتسمون ميراث محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وكان بعضهم يوصى بعضاً بتعلم كتاب الله - عز وجل - فعن عمرو بن قيس السكوني قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: عليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم، فإنكم عنه تسألون، وبه تؤجرون وكفى به واعظاً لمن عقل. وكان عبد الله بن مسعود يقول: لا يسأل عبد عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله. وكان بعض الشيوخ من المحدثين لايقبل في حلقة درسه من الطلاب إلا من حفظ القرآن أولاً. قال حفص بن غياث: أتيت الأعمش، فقلت: حدثني قال: أتحفظ القرآن؟ قلت: لا. قال: اذهب فاحفظ القرآن، ثم هلم أحدثك. قال: فذهبت فحفظت القرآن، ثم جئته، فاستقرأني، فقرأته فحدثني.

ولم يكن حفظ القرآن حكراً على الرجال دون النساء أو الكبار دون الصغار بل لكل منهم نصيب حسب اجتهاده ولكن تعلمه في الصغر أيسر وأبقى؛ ولذا نرى كثيراً من الذين عنوا بتعليم أبنائهم كتاب الله في سن مبكرة، تم لأبنائهم حفظه في عشر سنين، بل وفيما قبلها، وما تؤديه الجمعيات والمؤسسات الخيرية من عناية بالناشئة ذكوراً وإناثاً في تعليمهم كتاب الله مرتلاً مجوداً، وبيان معانيه لهم هو أمر في غاية الأهمية، ولقد أثمرت تلك الجهود ثماراً يانعة بفضل رعاية ومتابعة حكومة خادم الحرمين الشريفين حيث وفرت الاساتذة الأكفاء من الجنسين وقدمت لهم الدعم والرعاية اللازمة، وبذلت بسخاء، وأقامت الأوقاف الداعمة لهذه الأعمال الخيرية حتى تستمر تلك الجمعيات في عملها، ويكون لها دخل ثابت. لقد كان من نتائج هذا الدعم السخي أن انتشرت تلك الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بكتاب الله في كل مدينة وقرية، فكثر الحفظة التالون لكتاب الله ذكوراً وإناثاً، وهاهم الناشئة من الفريقين يشاركون في مسابقات القرآن المحلية والدولية بأصوات وألحان ندية، وينالون المراكز المتقدمة، وامتلأت المساجد بهم يؤمون المصلين في رمضان وغيره من الشهور، فتعليم كتاب الله للناشئة حصن حصين يدرأ عنهم الوقوع في الشهوات والشبهات ويعمر قلوبهم بذكر الله الذي تطمئن به القلوب فما أصاب القلوب من زيع وانحراف وأمراض خلقية ونفسية كل ذلك بسبب البعد عن كتاب الله وفهم معانية.

واتل بفهم كتاب الله فيه أتت

كل العلوم تدبره ترى العجبا

وأقرأ حديث المصطفى وسل

مولاك ما تشتهى يقضي لك الأربا

والذي أوصي به هو استمرار الدعم التام لهذه الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بتعليم كتاب الله، وإعطاء المكافآت المجزية للمعلمين بها، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله).

وأكد د. محمد الأمين أن إكرام معلم القرآن ومعلمته من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وكانت راية بني النجار يوم تبوك مع عمارة بن حزم فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - منه، فدفعها لزيد بن ثابت، فقال: يا رسول الله، بلغك عني شيء؟ قال: لا، ولكن القرآن مقدم. وكان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين والأنصار، وفيهم أبو بكر، وعمر - رضي الله عنهما - وغيرهم من كبار الصحابة. وقال عمر - رضي الله عنه -: أما إن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله - سبحانه وتعالى - يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)، ولذا أوصي بتقديم ترشيح حامل كتاب الله في المسابقات الوظيفية على غيره. كما أوصي باختيار المدرسين والمدرسات الأكفاء فإن المعلم هو المؤسس فإن كان قوياً في معلوماته جاء المتعلم كذلك وإلا كان العكس، كما أوصي أهل الخير بالبذل والعطاء لهذه الجمعيات والمؤسسات القائمة على تعليم كتاب الله فإن الدعم لها دعم لنشر كتاب الله ولا يضيع الله أجر من أحسن عملا.

زيادة الرواتب

من جهته قال الدكتور طارق بن محمد الخويطر الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية بكلية الملك خالد العسكرية: جاء في الحديث قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» وهذا دليل على فضل التعلم والتعليم كذلك, وقد عملت هذه البلاد المباركة لهذا المبدأ العظيم، فأنشأت آلاف الحلقات لتعليم القران الكريم وتجويده في مختلف بلاد المملكة العربية السعودية وفي أغلب المساجد والجوامع، بل في بعض المساجد تتعدد الحلقات فيها حتى تصل إلى عشرين حلقة، والحلقة تحوي أكثر من خمسة عشر طالباً، فصارت هذه المساجد - بحمد الله - مدارس يستفيد منها الدارسون يحفظون كتاب الله، ويراجعون حفظهم، ويبقى لهم وقت آخر طويل يراجعون فيه ما أشكل عليهم من دروسهم في دراستهم الصباحية، يعينهم على ذلك - بعد عون الله تعالى - زملاؤهم ومدرسوهم في الحلقات؛ إذ يدرس في هذه الحلقات مدرسون لهم تخصصات مختلفة.

وأضاف قائلاً: إن هذه الحلقات المباركة كان لها فضل - بعد الله جلّ وعلا - في حماية المجتمع من الرذيلة، وتتبع ما لا يفيد؛ إذ يتسع على كثير من الطلاب الوقت بعد الدراسة ولا يجدون ما يشغلهم في هذا الوقت فينزلق بعضهم مع أصدقاء السوء فيحصل مالا تحمد عقباه.

واستعرض فضيلته عدداً من الإيجابيات لهذه الحلقات، ومنها: أنها أعانت على حفظ كتاب الله وتجويده وحسن تلاوته، وذلك أن الطالب يتردد على هذه الحلقات أشهراً متعددة يردد فيها ما حفظه، ويحفظ الجديد، وذلك كله تحت إشراف مدرس متخصص في القراءة والتجويد، وأنها حفظت الشباب هؤلاء بفضل الله، إذ شغلت أوقاتهم بما يفيدهم دنيا وأخره فهم يحضرون إلى المسجد بعد صلاة العصر، ولا ينصرفون إلا قبيل المغرب بقليل, وهذا الوقت، وبخاصة في أشهر الصيف طويل جداً إن لم يستفد الطالب منه وإلا فقد يشغله بعمل آخر يضره دنيا وآخره.

وأبرز أن الجمعيات أدخلت على هؤلاء الشباب الأنس والسعادة، فهم بعد كل أسبوعين أو ثلاثة تتهيأ لهم رحلات في استراحات تحت إشراف مدرسين موثقين في الدين والفكر، ولا شك أن تغيير الجو عند هؤلاء يجعلهم يعودون إلى الحلقات من الغد والنشاط يملأ أنفسهم، والحماس يدب في أجسامهم, ثم أيضاً نظمت الحلقات مشكورة رحلات أيضاً رسمية إلى مكة والمدنية وغيرها من البلاد وتكفلت بالمصاريف كلها فلا يدفع الطالب إلا شيئاً رمزياً لحاجاته الشخصية، وأراحت كذلك آباء هؤلاء الطلاب وأمهاتهم لعلمهم بأن هذا الوقت وهو وقت العصر إن طال أو قصر فأولادهم بأيدٍ أمينة - بإذن الله -، كما وفرت على الوالدين كثيراً من مصاريف الدروس الخصوصية لان أولادهم كما أسلفت يذاكرون مع زملائهم المواد التي يستصعبونها تحت أشرف مدرسين متخصصين فيها.

واقترح فضيلته في نهاية حديثه زيادة رواتب هؤلاء المدرسين ولا سيما وبعضهم يقوم هو بدور توصيل الطلاب من بيوتهم إلى المسجد، وبعد انتهاء الحلقة يوصلونهم إلى بيوتهم، وحساب خدمة المعلم في هذه الحلقات إلى خدمته، وبخاصة الذين تأخرت وظائفهم في الدولة، وصرف مكافآت لهم عند تميز الحلقات في المسجد حتى لا تتساوى الحلقات مع تميز بعضها عن بعض، وإعطاء المدرسين والمشرفين شهادات شكر موقعة من الوزارة تفيدهم في السيرة الذاتية وذلك عند التقديم لأي عمل كان، والسعي في الحصول على إجازات رسمية لهم مقابل عملهم في أيام الإجازات.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد