المدينة المنورة - خاص بـ الجزيرة :
رأى رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة الأستاذ الدكتور محمد سالم بن شديد العوفي أن المسابقات القرآنية آتت ثمارها، ومثلت رسالة إعلامية قوية جعلت الكثير من أبناء وبنات الأمة الإسلامية يرتبطون بكتاب الله تعالى، مبرزاً أن الإقبال الكبير من الأبناء والبنات على الالتحاق بحلق ومدارس مؤسسات تعليم القرآن الكريم كان من أبرز الثمار المباركة لهذه المسابقات القرآنية التي تنظم في داخل المملكة وخارجها، على الصعيدين المحلي والدولي. جاء ذلك في سياق إجابة الدكتور العوفي عن عدد من الأسئلة حول جهود المملكة في خدمة كتاب الله والعناية به، والمسابقات القرآنية، وحلق ومؤسسات تعليم القرآن الكريم والدعوة إلى الله وارتباطها بكتاب الله، ورسالة الجمعيات القرآن تجاه تعليم كتاب الله وحفظه وتفسيره وتجويده.
نود بداية تزويدنا بالعدد الإجمالي للطلبة والطالبات الملتحقين بالجمعية، وأعداد الحافظين والحافظات لكتاب الله الكريم، والخطط المستقبلية للجمعية لتطوير أدائها ورسالتها القرآنية تجاه أبناء وبنات المملكة. وكيف تقيمون أداء هذه الجمعيات خلال الأعوام الماضية، وما مدى التفاعل القائم بين الجمعية وأولياء الأمور من الآباء والأمهات؟
- العدد الإجمالي للطلبة والطالبات الملتحقين بالجمعية هو : أكثر من أربعين ألف طالب وطالبة، وأعداد الحافظين والحافظات لكتاب الله تعالى نحو : ثلاثة آلاف وأربعمائة واثنين وثلاثين حافظا وحافظة، وأما الخطط المستقبلية لتطوير الأداء فإننا عازمون - بإذن الله تعالى - على إيصال رسالتنا إلى كافة شرائح المجتمع من خلال التوسع في حلقات ودور القرآن الكريم في المدينة المنورة ومحافظاتها وقراها وفق إمكاناتنا المادية والبشرية، والجمعيات حققت نجاحاً ملحوظاً يشهده الجميع، وهذا بفضل الله تعالى أولاً، ثم بفضل ولاة الأمر وفقهم الله الداعمين لمسيرتنا القرآنية، وأما أولياء أمور الطلبة والطالبات فإنهم يشكلون محوراً أساساً في العملية التعليمية؛ لذا فإننا نحرص أشد الحرص على التعاون المثمر معهم، لما يعود بالنفع على أبنائهم، وقد لاحظنا اهتماماً جيداً من قبلهم، ونأمل المزيد من التعاون والمتابعة؛ حتى نصل جميعاً إلى الهدف المنشود.
تدخل المسابقة المحلية على جائزة الأمير سلمان الخيرية للقرآن الكريم للبنين والبنات هذا العام عامها الثاني عشر وهي تزداد قوة ورسوخاً وتطوراً؟ كيف رأيتم هذه المسابقة في دوراتها الماضية ومستويات المشاركين فيها وما مقترحاتكم ورؤاكم حول مسيرة هذه المسابقة المباركة؟
- هذه المسابقة المباركة محط أنظار الجميع، وقد وصلت بفضل الله تعالى إلى مستوى التنافس الحقيقي بين الجمعيات، حيث إن الجميع على أهبة الاستعداد، في حين أن التنافس كان مقصوراً على الجمعيات الكبيرة والعتيقة، وأصبح المشاركون فيها يمثلون أغلب الجمعيات في شتى أنحاء المملكة والحمد لله، وتعميماً للفائدة أرى أن يتاح المجال في الفرع الرابع والخامس لمن هم دون سن الخامسة عشرة فقط.
أسهمت المسابقات القرآنية التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على مدار العام إن على المستوى المحلي، أو على المستوى الدولي في تحفيز ناشئة وشباب المملكة، وكذا أبناء الأمة الإسلامية نحو الإقبال على القرآن الكريم تلاوة وحفظاً وتجويداً وتفسيراً ما تقييمكم لهذه المسابقات، وكيف تنظرون إلى هذا المنافسات القرآنية حيث التنافس في أعظم ما يتنافس فيه المتنافسون وهو كتاب الله؟
- بلادنا الحبيبة جعلها الله تعالى مأوى أفئدة المسلمين، وهي سباقة إلى ميادين الخير، ونموذج يحتذى به، وقد حباها الله تعالى بولاة أمر ساهرين على خدمة دينهم وأمتهم، فلا غرابة أبداً أن تتبوأ الصدارة والمكانة العالية في أي نشاط إسلامي، ومن ذلك هذه المسابقات المحلية والدولية التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وقد صار على منوالها كثير من البلدان الإسلامية فأقامت المسابقات المحلية والدولية، وهذا بلا شك دافع قوي لأبناء الأمة الإسلامية إلى الاعتناء بكتاب الله تعالى حفظاً وتجويداً وتفسيراً، وهو تحقيق لوعد الله تعالى القائل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
وفرت المملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد جميع الإمكانات المادية والبشرية التي تخدم تنظيم مثل هذه المسابقات والمنافسات القرآنية على مدار أكثر من ثلاثين عاماً، كيف تنظرون إلى هذه العناية والاهتمام بكتاب الله والمتنافسين فيه؟
- المملكة سخرت كل إمكاناتها لخدمة القضايا الإسلامية، فالقرآن الكريم والسنة النبوية هما دستورها منذ قيامها على يدي المغفور له - بإذن الله تعالى - جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وسار على منواله أبناؤه البررة؛ لذا فإن هذه العناية بكتاب الله تعالى أمر طبيعي لا يستغرب من قادة هذه البلاد المباركة.
ما تفسيركم للحرص الكبير والاهتمام المتزايد من قبل أبناء المملكة، وأبناء الأمة الإسلامية للمشاركة في هذه المسابقة القرآنية؟ وما دور أولياء الأمور من الآباء والأمهات في هذا الاهتمام؟
- هذا الحرص دليل على أن مثل هذه المسابقات آتت ثمارها، ومثلت رسالة إعلامية قوية، جعلت الكثير من أبناء الأمة يرتبطون بكتاب الله تعالى، الذي فيه عزهم وسعادتهم، وكل ولي أمر يتوق إلى أن يصبح أبناؤه من حملة كتاب الله تعالى، فينال بذلك أهلية الله ورضاه، وهو عاصم لهم من الانحراف والسلوك السيئ في عصر المغريات والملهيات.
حفزت المسابقات القرآنية، المؤسسات القرآنية الحكومية والأهلية من جمعيات والهيئات والمراكز الإسلامية ودور التعليم النسائية نحو زيادة الاهتمام بالقرآن الكريم وحفظته من البنين والبنات، والحرص على تنمية قدرات التلاوة والحفظ والتجويد والتفسير لدى الأبناء والبنات لنيل شرف المشاركة في هذه المسابقات، ما تقييمكم لذلك؟
- هذا الإقبال المتزايد على القرآن الكريم هو نتيجة وثمرة لعدة عوامل، منها : هذه المسابقات التي فتحت المجال واسعاً أمام أبنائنا للتنافس، والإقبال على حفظ القرآن وتجويده وتفسيره بطريقة فريدة، في حين لم يكن مثل هذا الإقبال قبل عدة سنوات بهذه الصورة، بل كانت هذه المسابقات طريقاً إلى التخصص في هذا الميدان، وكذا الوصول إلى مراكز قيادية في المجتمع، ومما ساهم في ذلك الضوابط القوية التي وضعت لهذه المسابقات.
* الدعوة إلى الله هي رسالة الأنبياء والرسل وميراثهم ومن تبعهم إلى يوم الدين ومنطلق هذه الدعوة وأساسها وركنها الركين هو كتاب الله تعالي، ولاشك أن الأمة بأمس الحاجة إلى أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والبلايا العظيمة على الأمة، كيف يمكن أن نجعل من حافظ القرآن الكريم داعية إلى الله وموجها ومرشداً وخاصة في محيط الناشئة والشباب؟
- القرآن الكريم نور وهداية، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، ومن كان بهذه المثابة كانت له الريادة والوجاهة إن عمل بمقتضاها؛ لأن حفظ القرآن وتجويده وسيلة إلى ما هو أعظم من ذلك، ألا وهو تدبره والعمل بما فيه، ومن ثم الدعوة إليه، وهذا يتطلب من القائمين على الجمعيات ومراكز التحفيظ العناية بالناشئة من خلال التوجيه المستمر، والقدوة الحسنة حتى يتربى الناشئ والناشئة في الحلقات القرآنية على سيرة سلفنا الصالح، الذين كانوا يقرنون العلم بالعمل، وتتويجاً لذلك أرى أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بوضع برامج مكثفة لهؤلاء الناشئة، يتم من خلالها التركيز على أهمية الدعوة إلى الله في حياة الفرد والمجتمع، ووضع الضوابط الشرعية وما يتعلق بآدابها وشروطها، مع بيان أن أهل القرآن هم أولى الناس بها.
يلاحظ المتابعون أن العديد من المسابقات تنظم في حفظ كتاب الله الكريم إن على المستوى الداخلي أم على المستوى الدولي في الوقت الذي لا نجد فيه مسابقات تختص بالسنة النبوية - المصدر الثاني للتشريع الإسلامي - خاصة أن هذه السنة تتعرض في السنوات الماضية إلى حملة شرسة وهوجاء تطعن وتشكك فيها، بل وفي سيرة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - إلى ما تعزون ذلك، وما مقترحاتكم حول تنظيم مسابقة دولية في السنة والسيرة النبوية لناشة وشباب الأمة الإسلامية، وأطر وآليات تحقيق ذلك؟
- السنة النبوية صنو القرآن الكريم، والاهتمام بها يجب ألا يقل عن الاهتمام بالقرآن الكريم؛ لأنها المبنية له كما لا يخفى، وأنا أعزو قلة الاهتمام إلى أن حفظ القرآن الكريم هو أول ما يبدأ به الناشئة؛ لسهولته، قال تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)، ومن فضل الله تعالى على هذه البلاد أن جامعاتنا الشرعية وغير الشرعية تولي هذا الجانب اهتماماً كبيراً، وأما ما يتعلق بالمسابقات فإني أرى أن جائزة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز للسنة النبوية، هي فاتحة خير، ونأمل أن تتولى بعض الجهات المختصة كالجامعات مثلاً إنشاء أمانة عامة لمسابقة السنة النبوية على غرار الأمانة العامة لمسابقة القرآن الكريم، مع مراعاة المراحل العمرية للناشئة؛ لأنه يستحسن أن يبدأ الناس أولاً بالقرآن، ثم بالسنة كما هو دأب سلفنا الصالح في المراحل التعليمية.
يتعرض ناشئة وشباب الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر إلى حمل شرسة من الأعداء تستهدف عقيدتهم ودينهم وأخلاقهم من خلال بث ونشر الأفكار الهدامة، والآراء المنحرفة مستغلين بذلك وسائلهم الإعلامية المختلفة والمتطورة من فضائيات وإنترنت، كيف نحمي هؤلاء الناشئة والشباب ونقوى عزائهم بالقرآن الكريم وبالسيرة النبوية المطهرة لمواجهة تلك الحملات والأفكار؟
- هذه الهجمات لا شك أنها تمثل تحدياً خطيراً للمجتمعات الإسلامية، وتصل إلى أعداد كثيرة من شباب الأمة بحكم تعلقهم بالوسائل الإعلامية الحديثة، ومنع هؤلاء الشباب من هذه الوسائل غير ممكن، بل وغير مناسب؛ لأنهم يبحثون فيها عن المتعة والتسلية والمعرفة؛ لذا فإن على المؤسسات الإسلامية الدور الكبير في اقتحام هذا المجال، وإيجاد البديل المناسب للشباب، وفق خطة مدروسة، وتعاون مثمر بين هذه المؤسسات، بحيث لا تتكرر الجهود، بل لا بد من إيجاد قنوات متخصصة تخاطب عقول الشباب وعواطفهم، كما أنه لا بد من إيجاد قنوات ومواقع متخصصة، تقدم الشرح المبسط للإسلام بلغات مختلفة، وتعالج الشبهات بمنهج إسلامي رصين، كما أن للمؤسسات التعليمية وأئمة المساجد والدعاة إلى الله دورا كبيرا في هذا الباب، ولا ننسى دور الأسرة المسلمة التي تتبنى شرع الله في حياتها، فإنها صمام أمان للأجيال بإذن الله تعالى، لأن الحصانة الداخلية هي أقوى سلاح لمواجهة الأعداء.
تشدد العقيدة الإسلامية وفقاً لما جاء في آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية في السنة النبوية المطهرة وكذا أفعال وتقارير المصطفى - عليه الصلاة والسلام - على الوسطية والاعتدال كيف نستثمر تعاليم القرآن وما جاء في السنة في ترسيخ الوسطية والاعتدال في جوانب الحياة كلها والتوكيد على أن الوسطية ممارسة وتطبيق تظهر حسن الإسلام وتميزه. إلى جانب معالجة الغلو والتطرف والانحراف الفكري والعقائدي، وما المطلوب من أهل العلم والاختصاص في هذا الشأن؟
- الوسطية والاعتدال في فهم الشريعة الإسلامية هما المنهج الحق الذي سار عليه سلفنا الصالح، هما السائدان بحمد الله في مناهجنا ومجتمعنا، والوسطية تعني اختيار المنهج الحق البعيد عن الإفراط والتفريط وعن الغلو والجفاء، وهو ما سار عليه أئمة الدعوة في هذه البلاد المباركة، والممارسات العملية لهذا المنهج هو الرسالة القوية لكل من يحاول أن يستغل الإسلام من أصحاب المناهج المنحرفة، إما بالغلو أو بالتفريط، ومما يساعد على دحر الأفكار المتطرفة التي لا يكاد يسلم منها مجتمع عبر العصور هو عدم تمكين أصحاب المناهج الضالة من توجيه المجتمع والطعن في أهل الخير والصلاح؛ لأن هذا مدعاة لاستفزاز هؤلاء الغالين، وعلى أهل العلم والدعاة إلى الله العبء الأكبر في بيان خصوصيات الإسلام ومنهجه السوي، وأن تكون الفتاوى والتوجيهات بأسلوب واضح بعيد عن الغلوّ ووضع الأمور في غير نصابها دون تمييع للحق.
الجهات المعنية بتحفيظ القرآن الكريم للبنين والبنات حريصة على تنظيم مسابقات عديدة لطلبتها وطالبتها في حفظ القرآن الكريم مما يستدعي الأمر لوجود لجان تحكيمية من الرجال والنساء، كيف ترون حل مسألة قلة الحكام والحاكمات لهذه المسابقات؟
- إن كان هناك قلة في الحكام لأني لست على اطلاع بحقيقة الأمر، فأرى أن الناجحين المتميزين في الفرع الأول من المسابقات يمكن أن يشكلوا نواة في المستقبل؛ للتحكيم في هذه المسابقات على أن تعقد لهم دورات تدريبية نظرية وعملية، ومن ثم يمكن تعيين من أثبت جدارته من خلال التقييم الدقيق لأدائهم.
الجمعيات والهيئات الخيرية للتحفيظ تحتاج إلى الدعم المادي والمعنوي لتنفيذ مشروعاتها ما هو في رأيكم الحل المناسب لهذه المشكلة؟
- الحل المناسب في رأيي هو إيجاد موارد ثابتة للجمعيات ومنها : التوسع في المشاريع الوقفية، وتنشيط نظام الاستقطاع، والتواصل الجاد من كبار مسؤولي الجمعيات مع أهل الخير في بلد الخير.
يلاحظ كثيراً تسرب وهروب الكثير من الحفظة بعد انتهائهم لحفظ كتاب الله أو أثناء ذلك من جمعياتهم ومدارسهم إلى جهات أخرى ترعاهم، كيف نعالج هذه المشكلة؟ وكيف نوجد الحوافز المشجعة على بقائهم في جمعياتهم ومواصلة دراستهم أو تعليمهم لحفظة كتاب الله؟
- الجمعيات الخيرية محضن تربوي مثلها كمثل بقية المحاضن التربوية في المجتمع؛ إذ لا يمكن التواصل الدائم مع كل الخريجين، وحسب الجمعية أنها أدت الواجب المنوط بها، والخريجون فئات عمرية مختلفة، ولهم طموحات واتجاهات دراسية متعددة، وجمعيتنا والحمد لله استفادت كثيراً من خريجيها، حيث تعقد سنوياً دورات مكثفة لمن وصل منهم السن المعتبر للتدريس، وتغطي من خلالهم احتياجات الحلقات من المعلمين، وهي خطوة ناجحة أثبتت فعاليتها، وأرى أن إقامة معاهد متخصصة للخريجين أمر في غاية الأهمية، لكنه بحاجة إلى إمكانات مادية وبشرية قد تعجز عنها بعض الجمعيات، وقد أقامت جمعيتنا فصلاً للإقراء لغرض استيعاب مجموعة من الخريجين من الذين لا يمكنهم التدريس في الحلقات لصغر سنهم، ونحن الآن في طور التجربة؛ ولا ننسى موضوع الحوافز المادية للمعلمين، فكلما زادت مكافآتهم الشهرية كلما ساعد ذلك على استقرارهم في الحلقات.