حدثني متضجرٌ من أخلاق بعض البشر، وأنهم أصدقاء مصالح، ويقدرون ويجلون من كان له مال وجاه وسلطان، وعنده مصلحة يخدم فيها الآخرين، فقلت له: هون عليك يا أخي، فهذه الصفة في البشر قديمة قدم الخلق، ألم تسمع قول الشاعر عروة بن الورد العبسي، وهو شاعر جاهلي يقول:
|
ذريني للغنى أسعى فإني |
رأيت الناس شرهم الفقير |
وأبعدهم وأهونهم عليهم |
وإن أمسى له كرم وخير |
يباعده النوى وتزدريه |
حليلته وينهره الصغير |
وتلقى ذا الغناء له جلال |
يكاد فؤاد صاحبه يطير |
قليل عيبه والعيب جم |
ولكن للغني رب غفور |
فقد كان هذا الشاعر من صعاليك العرب، وقوله هذا من الحكمة المستقاة من واقع الحياة الجاهلية، وهو يعبّر عن واقع العصور جميعاً.
|
ولكن من محاسن الإسلام حثه على مكارم الأخلاق، واحترام الآخرين مهما كانت منازلهم، ارتفاعاً أم انخفاضاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم جعل الابتسامة في وجه المسلم لأخيه المسلم صدقة يكسبها المسلم، ولم تحظ شريعة من الشرائع في الحث على مكارم الأخلاق كما في الإسلام، إذ يقول المصطفى - عليه الصلاة والسلام -:(أقربكم مني منازلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً).
|
والأمر الآخر في التحذير من تحقير الضعيف، وازدرائه، حينما بين الرسول - عليه الصلاة وأتم السلام - في قوله: (بئست الوليمة لا يدعى إليها الضعفاء).
|
ولاشك أن أخي المتضجر من الأخلاق (التجارية) صادق في قوله، ولكن مقياس الإيمان الحق لدى المسلم الصادق حينما يكون تعاونه مع جميع إخوانه مبنياً على الأخوة الحقة المنطلقة من قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، لا يفرق بين غني وفقير، أو ضعيف وصاحب مسؤولية، فالكل عنده سواء، مع عدم الإخلال بوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في إنزال الناس منازلهم.. وصدق الشاعر إذ يقول:
|
كل امرئ راجع يوماً لشيمته |
وإن تمتع أخلاقاً إلى حينِ |
|