Al Jazirah NewsPaper Friday  19/02/2010 G Issue 13658
الجمعة 05 ربيع الأول 1431   العدد  13658
 
علم المناخ والصحافة الصفراء
بريم شانكار جها

 

إن العلماء الذين كشفت بحوثهم عن مدى تغير المناخ العالمي أصبحوا الآن موضعاً لاهتمام الصحافة الصفراء، مثلهم في ذلك كمثل نجوم الفن والرياضة. ففي مستهل الأمر جاءت فضيحة رسائل البريد الإلكتروني المسربة (التي سرقها المخترقون في الواقع) من معهد المناخ التابع لجامعة أيست أنجليا في بريطانيا، والآن هناك الأنباء المزعومة التي تفيد أن الجليد على جبال الهيمالايا لا ينحسر في الواقع، وعلى هذا فهو فلن يختفي بحلول عام 2035.

كانت القصة الأولى موقوتة بحيث تظهر قبل قمة كوبنهاجن لتغير المناخ التي انعقدت في شهر ديسمبر/كانون الأول مباشرة. أما الثانية فهي مصممة بحيث تقضي على أي أمل قد يكون متبقياً في التوقيع على معاهدة تالية لبروتوكول كيوتو. والواقع أن هاتين الفضيحتين المتعاقبتين المبالغ فيهما نجحتا في توجيه ضربة قاسية لمصداقية الأدلة التي تستند إليها المعركة ضد الانحباس الحراري.

ولكن هل هذه الهجمات مبررة، وخاصة تلك الهجمات ضد اللجنة الدولية المكلفة من قِبَل الأمم المتحدة بدراسة تغير المناخ، والتي أرست معياراً ذهبياً لتحليل تغير المناخ العالمي؟ من بين العلامات الدالة ذلك الازدراء الذي يبديه المتشككون للبيانات الفعلية في دراسة الحكومة الهندية، والتي تستغل لتقويض تقرير اللجنة الدولية لدراسة تغير المناخ والمؤهلات غير القابلة للتشكيك والتي يتمتع بها العالم سيد إقبال حسنين، وهو مصدر التعليق المزعج من جانب اللجنة الدولية لدراسة تغير المناخ بشأن الهيمالايا. وهناك أيضا الابتهاج الصارخ الذي شرعوا به في تدمير أحد أهم رموز حركة مكافحة الانحباس الحراري العالمي، الحائز على جائزة نوبل، وهو العالم راجندرا كومار باتشاوري، من خلال نسب دوافع مالية إلى بحثه.

والواقع أن حسنين، الذي يقوم حالياً بإجراء دراسة لتراكم الكربون الأسود على الثلوج على مرتفعات عالية من جبال الهيمالايا، ليس عالماً أنانياً يسعى إلى أضواء الشهرة. فقد كان أستاذاً لعلم دراسة الطبقات الجليدية في كلية العلوم البيئية بجامعة جواهر لال نهرو، وزميل المعهد الهندي للتكنولوجيا، وزميل جامعة ديلفت التقنية في هولندا. وأثناء الفترة من عام 1995 إلى عام 1999 تولى رئاسة مجموعة عمل لدراسة الجليد في الهيمالايا في إطار اللجنة الدولية لدراسة الجليد والثلوج، وهو أيضا مؤلف كتاب»الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا: الهيدرولوجيا والكيمياء الهيدرولوجية»، فضلاً عن عشرات الأوراق البحثية العلمية.

كان حسنين قد ألقى تصريحه هذا في حديث أجراه مع مجلة»العالِم الجديد» في عام 1999، أي بعد خمسة أعوام فقط من بلوغ الانحسار ذروته، وبعد عامين إلى ثلاثة أعوام فقط من بداية التباطؤ -أي في وقت سابق كثيراً لأوان الجزم بأن الاتجاه قد تغير. ولعل استخدام اللجنة الدولية لدراسة تغير المناخ لتعليقه كان متسرعاً، ولكنه لم يكن مضللاً، وذلك لأن تغير الاتجاه كان بالكاد ملموساً في عام 2003-2004، أي قبل عام واحد من إتمامها لتقريرها الرابع.

إن ما يقوله تقرير عام 2009 الصادر عن وزارة الغابات والبيئة الهندية في واقع الأمر هو أن متوسط تراجع الأنهار الجليدية، بما يقرب من خمسة أمتار سنوياً منذ أربعينيات القرن التاسع عشر حين بدأ العلماء في الاحتفاظ بالسجلات، قد تسارع بشكل حاد أثناء الفترة بين خمسينيات القرن العشرين وتسعينياته. ولكن التراجع أخذ في التباطؤ بعد منتصف التسعينيات، بالنسبة لبعض أضخم الأنهار الجليدية وأكثرها شهرة، مثل جانجوتري وسياتشن، ثم استقر عند مستوى ثابت أثناء الفترة من 2007 إلى 2009.

وتبين نفس الدراسة أيضا أن الأنهار الجليدية الأقل حجماً تتقلص بسرعة أكبر من الأنهار الجليدية الأضخم حجماً. وفي حين خسرت الأنهار الجليدية التي تغطي مساحتها أكثر من خمسة كيلومترات مربعة 12% من كتلتها، فإن الأنهار الجليدية التي تقل مساحتها عن كيلومتر مربع واحد خسرت 38% من كتلتها. وبتطبيق النسبة العامة لخسارة الكتلة إلى المساحة المغطاة، فهذا يعني أن الأنهار الجليدية الأقل حجماً (والأكثر عدداً) في منطقة جبال الهيمالايا خسرت ما قد يصل إلى 57% من كتلتها أثناء الفترة من عام 1960 إلى عام 2004.

ولكن: ما هو السبب الذي ربما أدى إلى توقف مقدمة الأنهار الجليدية عن التراجع؟ إن الرواسب من الغبار والكربون الأسود (والتي تسمى مجتمعة الهباء) التي غطت الثلوج، والتي إذا بلغ تراكمها 400 جرام على كل متر مربع، قد تكون من بين العوامل التي تؤدي إلى رفع معدل الذوبان بحدة. وحين يصبح تراكمها بين 400 إلى 600 جرام فإنها لا تتسبب في المزيد من التأثير، ولكن إذا تجاوز تراكمها 600 جرام فإنها تعمل كدرع واقٍ من الشمس، وبهذا تعمل على إبطاء سرعة الذوبان.

وربما تفسر الطبقات الأكثر سماكة من الهباء عند النهايات المنخفضة للأنهار الجليدية ميل العديد من الأنهار الجليدية، كما لوحظ في التقرير الهندي، إلى الضيق عند الوسط، بحيث تشكل جزأين منفصلين. وعلى هذا، فإن التباطؤ في معدلات تراجع مقدمة الأنهار الجليدية قد يكون راجعاً إلى الارتفاع الحاد الذي سجله عدد البشر الذين يسكنون التلال والتصحر الناجم عن الرعي الجائر -وهي عوامل محلية بحتة تعمل على تعزيز مستويات الهباء.

خاص – بـ«الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد