حين يكرم الله الإنسان بالنجاح فهو درب المجتهدين.. وحين يغمر قلبه بالإيمان وبمحبته فهذا سبيل من لجأ إليه واعتصم بحبله.. وحين يجعل التواضع سمة ونهج عيش فريح الجنة قريب.. وأبوابها مشرعة بإذن الله.. وحين تكون الحياة معادلة كيميائية إنسانية شعرية وطنية فلا بد أن تكون -أي الحياة- قصيدة فضاؤها الشعر.. وحروفها من ذهب وإيلاف قوافلها النجاح.
معالي الشاعر عبدالعزيز خوجة رجل العام.. ليس فقط باختيار الجامعة الأمريكية ببيروت.. لكان هذا أيضاً اختيار المثقفين للرجل الشاعر الإنسان المسؤول.. لكان أيضاً اختيار الناس من حوله ومن زامنه أو واكب مسيرته العملية والحياتية والشعرية والإنسانية.أشعر بالزهو حين أكون في المغرب أو في بيروت وألمح شوق من عرف خوجة في تلك البلاد رجل سياسة ورجل شعر وحياة. أشعر بفقدانهم لهذا الرجل الذي أسس للحياة والشعر والحب ثم حملته الثقافة ليكون قائدها بامتياز في مملكة أعزها الله بقيادة حكيمة أسست لحوار عالمي.. ولثقافة تزهو بمبدعيها.. ولحياة تشهد عصرها الذهبي.
في رحلتي الأخيرة للمغرب جاءني رجل سبعيني وقال لي: وزير الثقافة والإعلام في المملكة الشاعر خوجة كان سفيراً لدينا، ولطالما شاركنا حضور ندوات ثقافية وأمسيات شعرية.. كان الرجل يتحدث عن إنسان بمعنى الكلمة وشاعر ملؤه الشعر ووطني نقل وطنه حيث مثله. وكنت ألمح ملائكية شاعرنا الوزير من خلال حديث الرجل في غيابه عنه، ولطالما تكرر الموقف مع اختلاف التفاصيل مع أدباء من لبنان والعالم شاركهم الشاعر الحياة والشعر والسياسة باقتدار في زمن استطاع أن يبدل بالشعر لغة الحرب.. وبالإنسانية لغة التكبر، وبالثقافة غياب أهلها وحملة شعلتها.
القصيدة كانت سبيل خوجة إلى قلوب الناس.. وشاعريته وإنسانيته وتواصله مع المثقف كانت سبيله إلى العالمين.. كما احتفائه بالثقافة وأهلها وبأدق التفاصيل وكذلك الفضاء الإلكتروني الذي أسس من خلاله هذا التواصل الذي لطالما ندر بين المسؤول والآخرين.
أغلقت الحرب والفرقة والألم بيوت الثقافة في بيروت فكان بيت خوجة صالوناً للأدب ومآلاً للمثقفين من بيروت ومن كل مكان.. كان قلبه متسعاً لزفرات المثقفين وآمالهم وآلامهم وطموحهم كذلك.
شاركهم مهرجانات الثقافة وجلسات الحوار والنقاش.. كان صاحب القرار الذي جسر لعلاقات إنسانية قربته من الآخرين ليسمع عن قرب همساتهم وآراءهم.
من خلال القناة الثقافية هبة خادم الحرمين الشريفين للمثقفين في المملكة وخارجها استطاع الوزير المثقف أن يجعل للثقافة فضاء وللمثقف صدى وفي وقت قياسي. كان لي وقفة مع خوجة الشاعر قبل ما يقارب الخمس السنوات، وقد جمعنا الشعر والرائع عبدالله الجفري -رحمه الله، واليوم للحرف وقفة مع إنجازه الذي بات حديث المثقف داخل المملكة وخارجها. بارك الله هذا الجهد الكبير وهذا الانتماء الصادق للوطن.. وهذه الحفاوة بالمبدع والثقافة.
من آخر البحر للدكتور عبدالعزيز خوجة:
سبحان من خلق القلوب لكي تؤانسنا بآه
وتذوب من وجد على ألف ولام، ثم لام ثم آه
سبحان ربي في علاه وفي سناه
أسرى بقلبي من ثراه إلى مداه إلى رؤاه
وأذابه وجدا.. فهذا منتهاه لمنتهاه
maysoonabubaker@yahoo.com