العرب حاكوا بعضهم بعضاً في الشعر فأجادوا، فعدد ممن حاكوا ابن زيدون في قصائده لا يحصون عداً، ويكفينا من ذلك قصيدته المشهورة الباقية:
|
أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا |
وناب عن طول لقيانا تجافينا |
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم |
حزناً مع الدهر لا يبلى ويبلينا |
إن الزمان الذي ما زال يضحكنا |
أنساً بقربكم قد عاد يبكينا |
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا |
بأن نغص فقال الدهر: آمينا |
إلى آخر هذه القصيدة المشهورة. وقد ذكر ابن بسام والمقري وغيرهم أن الكثير قد شغفوا بها فخمسوها وسدسوها، واتخذوها أساساً للموشحات.
|
وقال صاحب شرح المتون في رسالة ابن زيدون إن صفي الدين الحلي قد خمس قصيدة ابن زيدون المذكورة وجعلها مرثية في الملك المؤيد عماد الدين فقال في تلك التخميسة:
|
كاد الزمان بلقياكم يحيينا |
وحادث الدهر بالتفريق يثنينا |
فعندما صدقت فيكم أمانينا |
أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا |
وناب عن طول لقيانا تجافينا |
ليت معاصري صفي الدين الحلي الذي أجاد في تخميسته، أجادوا في محاكاة غيرهم في العلوم فتركوا لنا كنوزاً علمية نعتاش منها بدلاً من شعر نستمتع به.
|
وفي عصرنا الحديث حاكى أمير الشعراء أحمد شوقي القصيدة المذكورة بقصيدة قال فيها:
|
يا نائح الطلع أشباه عوادينا |
تشجي لواديك أم تشجى لوادينا |
آه لنا! نازحي أيكٍ بأندلسٍ |
وإن حللنا رفيفا من روابينا |
كما أن أمير الشعراء حاكى ابن زيدون في قصيدته التي يقول فيها:
|
ما للمدام تديرها عيناك |
فيميل في سُكر الصبا عطفاك |
هلا مزجت لعاشقيك سُلافها |
ببرود ظلمك أو بعذب لماك |
بل ما عليك وقد محضت لك الهوى |
في أن أفوز بحظوة المسواك |
|
يا جارة الوادي طربت، وعادني |
ما يشبه الأحلام من ذكراك |
إلى آخر القصيدة المغناة المعروفة.
|
لقد حاكى معاصر حقبتنا أحمد شوقي شاعر تلك الحقبة ابن زيدون فأحسن المحاكاة، لكننا لم نحسن محاكاة عصر ابن زيدون أو الفترة التي قبله في عهد المستنصر، عندما كانت الأندلس قبلة المتعلمين من أوربا، حيث كانت البعثات العلمية تتوافد إلى هناك طلباً للعلم، فوصلوا ما وصلوا إليه. فهل نظل نردد غناء المغني بتلك القصيدة التي قالها أمير شعراء عصرنا الذي حاكى بها شاعر عصرهم، ولا نحسن محاكاة ذلك العصر بما أنتج من علوم؟
|
|