سأل الممكن المستحيل: أين تقيم؟ فأجابه: في أحلام العاجز، من لا يعرف أن يقرن قوته بإرادته لا قوة له.
الإرادة نصف الطريق
إن الذي ينتصر على غيره قوي، لكن الذي ينتصر على نفسه أقوى.
بهذا أو مثله تمثل طه حسين المعاني وعلى دربها مشى، فالبعض يحوز على كل ممكن يحقق به الكثير مما يتمنى، وبعض آخر لا يملك من القدرة سواء في الجسد أو النفس ما يمكنه من الحلم بإنجاز شيء معين على الأقل، فضلاً عن العمل، لكن طه حسين له صولات وجولات مع نفسه وإرادته، نعلم أنه فقد بصره في سن مبكرة، ومع ذلك أخذ به الطموح إلى مكان من الأزهر حتى أنهى العالمية، ومع ذلك لم يقف طموحه عند هذا الحد، ولم تتقاصر خطاه، فوجد نفسه ووجده الجميع يقتحم (السوربون) في باريس حتى أنجز الدكتوراه.
وقد لخص أمين الملاخ في فيلمه (قاهر الظلام) أجزاء من حياته التي لا يملك أحد منا سواء تذوق أدبه واستساغ فكره أم لا إلا أن يحترمه ويكبر طموحه ومغامرته الشجاعة، إن له رأياً مع تجربته في الأولى في الأزهر، فهو شديد الإعجاب بما تحقق من تطور لتلك المؤسسة متمثلاً ذاك في رجل جمع بين الإيمان بالله بشكله المطلق، وبين حركة التطور حيث أدخل على الأزهر حينها كثيراً من الإصلاحات والجديد، وبه أرسى قواعد ثابتة يعرف بها الأزهر.
وهذا ما ذكره طه حسين وأعجب به في شخص الشيخ محمد عبده الذي حافظ على دينه، ولم يفرط الفرصة التي تتقدم من خلالها مؤسسة الأزهر وفق معطيات العصر حينها، فلم يحجز نفسه فيما ورثه أو ما هو شائع في وقته وأغلق كل منهما قفلاً على الآخر، لكنه انطلق في حركة تطور معها الأزهر ولم يسجل من شاء به خيراً، أو أساء الظن به، علامة استفهام عليه، ولهذا فهو محمد عبده العملاق فكل موروث يفرض نفسه سليم بنائه، وواضحة أهدافه نتمسك به وندعو الآخرين إلى ذلك، والتمسك به لا يعني الانغلاق عليه، لكن إتاحة الفرصة لمزيد من العمق والمعرفة والتعلم، ولنا في محمد عبده، والأفغاني معنى أفرزته ظروف العصر فيحسب لهم القدرة على المواءمة بين أمرين والنجاح فيه، فرائع أن نضع يداً على الموروث والأخرى على ما هو جديد ومتطور لا يتنافى مع قيمة من قيم الدين.
والمؤكد أن لطه حسين دوراً تحقق معه الكثير الذي أضافه أو اقتبسه من الموروث وصاغ به جديداً يواكب العصر، ففي مرحلة من عودته إلى مصر عمل على رأس مؤسسة تعليمية حينما كان وزيراً لها، وله سجل ثابت معه ما أنجز وما كان يحلم به، وهو في حد ذاته ومن خلال تجربته مثال يحتذى ومن المعالم التي بها نقتدي، فأبسط ما يلاحظه الفرد أن حاسة البصر من أهم الحواس كوسيلة لأي حوار مع العلم والعلماء، وعلى الرغم من أنه لا يملك شيئاً من ذلك فقد حقق الكثير وانتصر على نفسه بين أهله ومواطنيه بعد، الغربة في فرنسا، ولو أذن المقام بمزيد يقال لعرضنا لبعض مما كتب وفكر فيه باللغة الفرنسية من مقالات وخواطر ومحاضرات.
ومتاح الاطلاع عليها لمن أراد.
ومن ناحية أخرى نجد أن البعض - وهو قليل والحمد لله- ينعم بسلامة حواسه وقوة في عقله، والفرصة متاحة أمامه ليتعلم ويستفيد، ومع ذلك ينتهي به الطريق دون أن يحقق شيئاً من ذلك، وإذا كان الأمر رائداً نشيد به، ونقدر من خلاله من جرب وعانى، كان طه حسين عملاقاً وحوله عمالقة كثر، وفي يومنا هذا ولسبب غير معروف زال القزم والعملاق، ولم يعد من شيء أمامنا إلا ذوو القامات المتساوية، فلا قدوة ولا حادٍ، سواء في أدب أو شعر أو فن أو ما كان في دائرة ذلك.
نستغيث بالله ونستعين به، والله الموفق.