في رده على الشيخ محمد العريفي قال آية الله السستاني: (على جميع المؤمنين نشر ثقافة المحبة، والحرص على قول (أنا أحبك) لجميع المؤمنين، حفاظا على الوحدة الإسلامية، وحرصا عليها من محاولة تفريغها وشق صفوفها ودفعها بالتي هي أحسن كما أمرنا الله تعالى).
هذا التصريح جيد، ومسؤول، ولا نملك إلا أن نشكره عليه، فهو يصبّ في اللحمة والتآخي، ويقطع دابر الطائفية البغيضة، ويوحد أبناء الطوائف في مواجهة عدونا جميعاً (الإرهاب)، وصنيعته (القاعدة) وابن لادن والظواهري ومن دار في فلكهم الذي يتّحد العالم الآن لمحاربتهم، ومحاصرة ثقافتهم الدموية والتدميرية الخطيرة؛ ويجب أن يكون لجميع المرجعيات الدينية على اختلاف طوائفهم موقفاً صارماً تجاه هذه الفتنة الدموية البغيضة، خاصة وأن جانباً مهماً من هذا الإرهاب يتكئ على التناحر الطائفي بين السنة والشيعة، مثلما هو حاصل اليوم في العراق أو باكستان، حيث تراق الدماء وتنتهك حرمات الناس ويستمدون حيثياتهم وأدلتهم من بعض الأقوال والتفسيرات والرؤى الضاربة في أعماق التاريخ.
غير أن هناك نقطة لا بد من إبرازها، وهي أن إيقاد شرارة الطائفية، وإذكاء ذرائع الفتنة تحتاج إلى وقفة صارمة وحازمة منه تحديداً، بحكم وضعه المرجعي لدى أغلب الشيعة العرب. فهناك من بعض الرموز الشيعية من يتعمّد أن يشتم كبار الصحابة على المنابر، ويتفوه بألفاظ بذيئة، أخجل حتى من ذكرها في حق عائشة رضي الله عنها، وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتبرها أكثر من 80 % من المسلمين في مقام أمهم، فهل هذا يتواءم مع دعوته النبيلة لتكريس الحب والوئام، والحفاظ على وحدة المسلمين، والحرص على تراص الصفوف، وتجاوز الخلافات؟
كثير من المثقفين والعلماء السعوديين في بلادنا خطؤوا العريفي، واستنكروا إثارة مثل هذه النعرات الطائفية، و وقفوا من تصريحه، وما تلفظ به موقفاً رافضاً لما قاله؛ وفي المقابل فنحن ننتظر من هذا المرجع الشيعي الكبير أن يقول كلمة حق في مواجهة بعض رجال الدين الشيعة الذين يتحينون الفرص، لإثارة هذه النعرات، وإذكاء الفتن، وشق الصفوف، وبذر بذور الإرهاب من خلال إذكاء الطائفية.
ومن أجل أن توأد هذه الفتن في مهدها، ويُحاصر المنتفعين من إثارتها مثلما يحاصر المنتفعين من ثقافة الإرهاب، لا بد وأن يتبنى موقف (تجريم) إثارة النعرات الطائفية مؤتمر دول العالم الإسلامي.
إن كل المؤشرات التي تدور الآن في الأفق تؤكد أن إرهاب (القاعدة) ومن دار في فلكها يسير إلى النهاية الحتمية. غير أن التناحر الطائفي والقتل على أساس المذهب هو (الفتنة) المرشحة لأن تطفو على السطح، في منطقة تكتنفها الأزمات والاختناقات من كل جانب؛ خاصة وأن هناك كثير من المستفيدين، وعلى رأسهم الإيرانيون تحديداً، يحاولون إذكاء مثل هذه الفتن التي من خلالها يستطيعون الولوج إلى عمق المجتمعات العربية، وتجنيد الأتباع على أساس طائفي بحت لخدمة طموحاتهم السياسية في المنطقة. وكثير من الشواهد تؤكد ما أقول، لعل آخرها دعمهم ومساندتهم للحوثيين في اليمن على أساس طائفي.الطائفية ثعبان أراه يكبر ويتضخم ويتوالد، إذا لم نحاصره، ونحاصر ثقافته من الآن، فسيصبح خطره المستقبلي أشد ضرراً وخراباً من فتنة القاعدة والقاعديين، ولن ينجو من تبعات أخطاره أحد. إلى اللقاء.