القاهرة - سجى عارف
اختتم جناح المملكة العربية السعودية فعالياته الثقافية بمحاضرة عنوانها (حقوق الإنسان في عصر الهيمنة الإعلامية) بحضور الملحق الثقافي محمد بن عبد العزيز العقيل ونخبة من المثقفين والإعلاميين ولفيف من منسوبي الملحقية وعدد من أصحاب دور النشر والجهات الحكومية الموجودة في الجناح السعودي التي تحدث فيها الدكتور زيد بن عبد المحسن آل حسين نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان بالمملكة العربية السعودية عضو مجلس الشورى، حيث استهل المحاضرة قائلاً: حقوق الإنسان فكرة قديمة يمكن استقراء وجودها عبر تاريخ البشرية، فحيثما وُجد سعي لإحقاق الحق وإرساء العدالة ورفع ومحاربة الظلم فثمَّ دلالة على حقوق الإنسان وذلك بحقيقتها لا بواقعها.
وباستعراض التاريخ الإنساني يجد المتتبع المنصف أن دين الإسلام وضع الأسس الأولية لمفهوم حقوق الإنسان بالمعنى الشامل والحضاري.. فالإسلام دين الحضارة الإنسانية في أرقى وأسمى صورها، وببساطة يمكن الاستدلال على ذلك بتصور أبجديات حياة المجتمع الإسلامي الأول الذي أسسه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، على أساس التآخي الإنساني والإيماني بين المهاجرين والأنصار.
وأضاف وقد شُغل المهتمون بحقوق الإنسان على امتداد العصور بهذا المفهوم، الذي يعني بشكل عام أن الناس يولدون وهم متساوون في الحقوق والمنْزلة، وهي مطالب أخلاقيه، ومزايا شرعية ناشئة عن التكريم الذي وهبه الخالق - جلّ جلاله - للإنسان، وألزم الجميع طبقاً للضوابط الشرعية باحترامها. وهي باختصار شديد كما يعرّفها الدكتور عبد الله بن بيَّه (مجموعة من القواعد التي شرعها الله لعباده لتنظيم صلاتهم به جلّ شأنه وعلاقتهم بعضهم في نواحي الحياة المختلفة اقتصادية، أو سياسية، أو دولية، أو أخلاقية).
وأكد بأنه يمكن لنا أن نقول: إن حقوق الإنسان في الإسلام ترتكز على أسسٍ أربعة:
أولها: الحرية: وهي من أهم القيم الإنسانية، فبوساطتها يتم الاختيار بين البدائل المتاحة، وبأداة العقل يستطيع الإنسان التمييز بين الخير والشر.
ثانيها: العدل: والعدل يتضمن المساواة لأن البشر في نظر الإسلام جميعاً سواسية من نسل آدم عليه السلام، فهم مؤهلون لنيل الحقوق المقررة، بغض النظر عن أجناسهم أو أديانهم أو قومياتهم، وقد ألزمنا الله -سبحانه وتعالى - بهذا الأساس.
ثالثها: الأخلاق: والأخلاق ودين الإسلام متلازمان إلى درجة أنه يصعب رسم خط فاصل بينهما، ويقول رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم-: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، والأخلاق منظومة متصلة من القيم أمثلتها الصدق، الصبر، العفو. ونص القرآن على كل واحدة منها بما يُلزم البشر بهذه المبادئ من أجل تحقيق الاستقامة والسعادة للإنسان بضميرٍ حي وسلوكٍ منضبط.
ورابعها: الحق: وهو استحقاق مفروض للإنسان بنصوص الكتاب والسنّة لتمكنه من حياة كريمة عندما يكون العقل أداتها الفاعلة، ويصبح رافداً اجتهادياً وإبداعياً وإنسانياً لتتحقق الخلافة في أجمل صورها التي ذكرها الله سبحانه.
وأشار قائلاً في الموازنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وغيره: إن حقوق الإنسان قيمٌ أصيلةٌ جاء بها الإسلام قبل قرون من إعلان أول ميثاق لمبادئ حقوق الإنسان عام 1948م، وبموازنة بسيطة بين حقوق الإنسان في الإسلام وحقوق الإنسان في المواثيق الدولية، يتضح الفارق بين النظام الرباني ومصدره الخالق -سبحانه وتعالى- وبين نظام من صنع البشر يخضع للخطأ والصواب.
فهي أشمل، لأنها أسست على حفظ كرامة الإنسان المطلقة لها الأسبقية والجميع حراس على رعايتها؛ لأنها واجبات شرعية يُثاب فاعلها ويعاقب تاركها.
وتعد خطبة حجة الوداع خطاباً رسمياً كونياً أعلنه إلى البشرية جمعاء الرسول صلى الله عليه وسلم واستعرض من خلاله أسس العقيدة والشريعة، وعلى الرغم من عمومية الخطاب وقتها إلا أن فيه مساحة كبيرة لتحديد معايير مهمة لحقوق الإنسان من أمثلتها:
- حق الحرية في الحياة والمال: (يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا في بلدكم هذا).
- حقوق المرأة في الحياة الكريمة: (يا أيها الناس أن لنسائكم عليكم حقاً وإن لكم عليهن حقاً فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً ألا هل بلغت اللهم فاشهد).
- حقوق المساواة ونبذ التمييز العنصري بكل صوره وأشكاله: (يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم ألا هل بلغت اللهم فاشهد).
استلهم الإمام علي زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين، قبل ما يزيد على 1350سنة من القرآن والسنّة ما مكّنه من وضع قواعد ومبادئ يمكن أن يطلق عليها معايير في حقوق الإنسان أطلق عليها (رسالة الحقوق). بينما كان أول ظهور لحقوق الإنسان في الغرب عام 1948م بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي سبقته مبادئ الإسلام المؤكدة لهذه الحقوق منذ أربعة عشر قرناً.
إن حقوق الإنسان ممارسات في حياتنا اليومية، نتعاطى معها بشكل عفوي، لم تظهر في حياتنا تحت مصطلح له معايير بالشكل المتداول في عصرنا هذا، إذ إنها تعد من المسلمات بالنسبة لنا، دون أن نخضعها لهيمنة هذا المصطلح الحديث، الذي صاحب ظهوره ضجة وكأنه حمل مضامين تخالف ما كنا نمارسه من قبل، وذلك ما جعل المصطلح يغلب على الجوهر مثل كثير من المصطلحات الأخرى.
ومن صفاتها الديمومة وهي محمية بضمانات شرعية، وتنفيذية لأنها ليست مجرد توصيات، ويعدُّ انتهاكها والاعتداء عليها ذنب يقود إلى العقوبة المحددة بالنص الشرعي فلا تخضع لاجتهاد أو تقدير.
وهي تخضع للرقابة الذاتية التي تحكمها قاعدة الحلال والحرام والإيمان بالدار الآخرة وتربية الضمير على مراقبة الله في السر والعلن.
كما أنها عالمية، حيث جاء الخطاب في القرآن والسنّة موجهاً لبني البشر كافة وهي قابلة للإضافة ضمن قواعد شرعية وضوابط فقهية، لاستيعاب كل ما يجد في حياة الناس، وفي مواقف كثيرة للرسول صلى الله عليه وسلم يتضح هذا الأمر، وأنا وغيري نختلف عمّن يظن بعدم مرونة الإسلام فيما قد يضاف إليها - أي حقوق الإنسان - من تأصيل أو معايير، ولعل موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من «حلف الفضول» يؤكد هذه المرونة، حيث قال صلى الله عليه وسلم بأنه لو دعي إلى حلف مثله في الإسلام لأجاب.
وأكمل حديثه أن حقوق الإنسان في الإسلام ليست مواعظ أخلاقية، بل أوامر تشريعية ضمن لها الشرع التطبيق الفاعل بإقامة جميع النصوص التشريعية اللازمة، وهذا ما تفردت به عن غيرها من المواثيق والإعلانات والبروتوكولات.
إن النظرة الشاملة لحقوق الإنسان دون تمييز بين بني البشر ودون تحيز تجعل الحياة على كوكب الأرض مكاناً يُشعر بوحدة الأسرة البشرية ووحدة كرامتها، كما أن تحقق الكرامة، والعدل، والحرية والمساواة بين الجميع سواء بين الأفراد أو الشعوب في نظر الإسلام معيار حقيقي لتطبيق هذه الحقوق.
والنظرية الإسلامية نحو وحده الأسرة البشرية تنطلق من المسلمات الآتية:
1- نظرة الإسلام إلى الإنسان نظرة أساسية، فقد استخلفه الله على هذه الأرض ليكون مسئولاً عنها، وقد ضمن له كرامته.
2- تحريم العدوان مطلقاً سواء على حقوق الإنسان أو حقوق الشعوب.
3- الأمر بالتعاون والعمل على ما فيه خير الإنسان وتقوى الله، إذ لا يقرِّب بين الأسرة البشرية مثل العمل على الخير المشترك وذلك في السر والعلن.
4- تحريم التعاون على الظلم والعدوان، لأنه يهدم وحدة الأسرة البشرية.
وفي حديثه عن الإرهاصات المبكرة في سبيل تقنين حقوق الإنسان قال: إن تقنين ووضع المعايير لحقوق الإنسان بدأ يأخذ منحى جديداً، ولا ضير في أن نستفيد من تجارب الآخرين، ونضيف إليها، وقد استطاع الغرب أن ينجز العديد من المواثيق والإعلانات الحقوقية في مجال حقوق الإنسان، ولعل القرون الأخيرة من أكثر مراحل التاريخ تعقيداً وغرابةً وأكثرها انتشاراً للظلم وأشكاله وأكثرها ظهوراً لمعاناة الفئات المستضعفة من بني البشر على اختلاف حالات وأشكال الاضطهاد، وبسبب كل ذلك بدأ مصطلح «حقوق الإنسان» بالظهور حين شعر العالم أنه بحاجة لقوانين ومواثيق تحمي الإنسان من ويلات الحروب والظلم والاستضعاف.
وفي القرن الثامن عشر بالذات بدأت تظهر المصطلحات المعبّرة عن الحقوق وجاءت أطروحات حقوق الإنسان بداية مرتبطة بدول وجنسيات معينة أو ما يسمى بإعلان العهد الكبير، وبيان الحقوق سنة 1627م، وقائمة الحقوق سنة 1688م في إنجلترا، «وثيقة فرجينيا للحقوق» الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776م، وما صدر في فرنسا من إعلانات خاصة بحقوق الإنسان مثل «إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي واكب الثورة الفرنسية، وإعلان حقوق الإنسان والمواطن وواجباته ودستور الجمهورية الفرنسية الصادر الذي تضمن إعلان حقوق الإنسان والمواطن بعد تعديلها».
واستمر الأمر كذلك حتى القرن الماضي حين جاءت الحروب العالمية الدامية وذهبت بالأخضر واليابس وأزهقت أرواح الملايين من الضحايا.. بعدها وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1948م للميلاد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ولقد كان لهذه الحركات إيجابيات كثيرة، حيث إنها جاءت لكي ترفع عن الإنسان في هذه المجتمعات ما أصابها من ظلم وقهر واستبداد ديني وسياسي وفكري، خلال الفترة التي عرفت في الأدبيات الأوروبية بعصور الظلام أو القرون الوسطى، وأصبحت بداية لمواثيق وعهود تخص حقوق الإنسان ظهرت تحت مظلة الأمم المتحدة، واستفادت منها الشعوب والأمم ما يحفظ لها حقوقها واستقلاليتها.
وأضاف: كان الظن عندما احتفل العالم بانتهاء الحرب العالمية الأولى، أنها آخر الحروب الكونية، وأن دروسها كفيلة بإيقاف أي حرب على هذا المستوى. ولكن اندلعت الحرب العالمية الثانية، وامتدت سنوات، ثم كان الاحتفال بنهايتها عظيماً في كل العالم، لأن نزيف الدم قد توقف، وأن البشرية سوف تفكر آلاف المرات قبل أن تقدم على حرب تحصد أرواح الملايين، ممن لا ذنب لهم، لكن ما لبث أن تبدد الفرح، وتلاشى مفهوم الاستفادة من كوارث الحربين العالميتين، وآثارهما السالبة التي شملت العالم، بل إن القرن العشرين يعدُّ أكثر حقبه دامية في تاريخ الإنسان، إذ قتل خلاله أكثر من 160 مليون شخص في نزاعات داخل دول، وفيما بين دول، وذلك في أنحاء متفرقة من العالم. ومما يفسر استمرار هذا الوضع:
1 - دور الأسلحة.
2 - الأنظمة الاستبدادية.
3 - الإرهاب.
4 - العوامل الثقافية والاجتماعية.
5 - التي تتلخص في:
أ- العرقية: إن الرغبة في إظهار الهيمنة العنصرية قد تكون مستترة وقد تلبس عباءة أخرى مختلفة تتستر بها حتى تصل إلى أهدافها العنصرية.
ب - التطرف: هناك من المواقف المتطرفة العنيفة وما يمكن أن يصنف بأنه غير إنساني ويستتر المتطرفون بمظلة الدين لتسويغ أعمالهم والدين منها براء وهذا التطرف ليس قاصراً على نسبته لدين بعينه.
6- الأنانية وغياب النظرة الإنسانية.
7 - سلبية العولمة.
8 - غطرسة القوة.
وقد اختتم محاضرته بمقترحات لترسيخ علاقة تعاونية، وشراكة متينة بين الإعلام وحقوق الإنسان لخصها فيما يلي:
- توعية الصحافيين والناشطين الحقوقيين بالأهداف المشتركة التي تجمع بينهما، ليكونوا أكثر حرصاً على خدمتها وتعزيزها.
- إيجاد آلية مدروسة بين الإعلام وحقوق الإنسان، بهدف طرح أعمق وأنفع لقضايا حقوق الإنسان في وسائل الإعلام.
- تدريب أفراد متميزين من الإعلاميين، على المهارات الضرورية لتناول مسائل حقوق الإنسان بمهنية عالية.
- تشجيع رؤساء التحرير للصحافيين على التخصص في مجالات محددة حتى يكونوا أكثر قدرة على العطاء والإتقان.
- دعوة الصحافيين والإعلاميين إلى التحلي بالتروي وممارسة محاسبة الذات أثناء خوضهم في مسائل حقوق الإنسان، فلا ينبغي السعي إلى إثارة على حساب مصلحة بلد أو جهة أو إنسان مظلوم، خاصةً عندما لا تكون الحقيقة واضحة، فحينها يجب الوقوف على التفاصيل الدقيقة للقضية والتأكد من صحتها لتقديم القضية بشكلٍ موضوعي.
- الحاجة الماسة إلى التدقيق في أخبار المراسلين من جانب رؤساء التحرير، ومحاسبة المسئولين عن الأخطاء التي كثرت الشكاوى منها في وسائل الإعلام.
- الوعي بالمخاطر الناجمة عن الانسياق وراء تضليل جهات أو وسائل إعلام أجنبية، تستهدف أوطاننا بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان أحياناً، وإدراك ما يعتري مسألة حقوق الإنسان من تسييس باعتبارها إحدى وسائل القوة الناعمة (Soft Power).
الحذر من كتابات أو آراء عابرة، يتلقفها المغرضون، وتفتح أبواب الشر على وطن، يتربص به أعداؤه الدوائر وقد حظيت المحاضرة بإقبال جماهيري وإعلامي كبيرين وكم كبير من المداخلات التي اضطر خلالها المقدم الدكتور عبد الله الزهراني للاعتذار عن بقية المداخلين لما حملته المحاضرة من مفاهيم مهمة تلمست جوانب الفرد الإنسانية.