Al Jazirah NewsPaper Monday  15/02/2010 G Issue 13654
الأثنين 01 ربيع الأول 1431   العدد  13654
 
مسيرة الثقافة السعودية 3 - 3
الأسماء فضيحة في مجتمعنا
عبد الرحمن الحبيب

 

كتاب «السعودية سيرة دولة ومجتمع» لمؤلفه عبد العزيز الخضر كان موضوعاً مشاكساً في كل جلسات المثقفين التي حضرتها، فالآراء تناقضت حوله، وهذا طبيعي كونه الأول من نوعه، لكن هناك مشاكسة أشد وطأة تتوارى بين التناقض!

إنها الأسماء في مجتمع يشخصن كثيراً من آرائه ومواقفه... فمن يتصدى لمواجهة لا تخلو من المزالق في كتاب ضخم شمولي وتأسيسي فليتهيأ للسهام، وليستعد لضربات لا ترحم. أما من يضيف لهذه المجازفة أسماء مؤثرة في سياق الأحداث ويقيِّم أعمالها، فإنه يدخل في مهمة انتحارية على حد وصف الناقد سعد المحارب.

لم يكتفِ المؤلف بهذه المجازفة، بل اقتحم أبراجاً محصَّنة، وأفرد في بعض الفصول أجزاء تناول فيها رموزا وحلَّل شخصياتها على مساحة امتدت إلى نحو مئة صفحة في الفصل الثاني، واسترسل في بعضها مفْرِطا، حتى أن الشيخ الدكتور سلمان العودة حظيت سيرته وأعماله بتغطية 34 صفحة، ناهيك أنه كرر مراراً تناوله في أغلب المواضيع. نعم، العودة شخصية فذَّة ومن أهم الرموز المؤثرة إلا أن تكراره وصل لدرجة غير مسوغة.

استعراض الآراء النقدية حول الكتاب يواجه تشابكاً مزدوجاً بين الطرح الموضوعي واختلاطه مع الذاتي من جهة وبين الحدث وأسماء صانعيه من جهة أخرى، ناهيك أن المشاهدة في ساحتنا مرتبكة بين القضية التي تصنع حدثاً والحدث الذي يصنع قضية. فثمة حانق على آراء المؤلف وثمة مؤيد يتناولان مضمون الرأي معزولاً عن منهجه وسياقه، مما يفوت النظر للرؤية التي يطرحها المؤلف، عندما يُقرأ الكتاب كمعلومات وآراء معزولاً عنه كمنهج استقرائي ممزوجاً بالأسلوب الصحفي.

الاعتراض على سلامة المعلومات أو آراء المؤلف مرحب به بوضع الطرح المخالف، ولكن ليس بمحاسبة المؤلف بمسألة خارج الموضوعي إلى الذاتي بأنه يُضمر خبثاً فغيَّب أسماء وزيَّف معلومات مع سبق الإصرار والترصد، كما قال بعضهم، فهذا يدخل في محاسبة النيات ونظرية المؤامرة، إلا عندما يتكرر غياب أسماء في سياقات من المفترض حضورها، وهنا يصعب فض الاشتباك بين الذاتي والموضوعي، ويغدو بلا جدوى.

موضوعياً، يمكن القول أن تكرار الشخصيات المشهورة في الكتاب قد يوحي بتقاعس المؤلف عن البحث الدؤوب والاكتفاء بالمشاهير؛ لأن مصادرها متوفرة وأيسر من عناء البحث عن أسماء أقل شهرة رغم أنها قد تكون أكبر تأثيراً في المجال المطروق. ويمكن القول إن المؤلف قصَّر في شمولية الرصد عندما غابت أسماء مؤثرة في بعض السياقات بل وغابت شخصيات عامة مهمة جداً، أضف إلى ذلك أنه تورَّط في بعض التقييمات بأسلوب صحفي لا يخلو من استفزاز مدحاً أو ذمَّا.

ولعلنا لا نلوم الكاتب أحمد الواصل عندما اعتبر أن المؤلف قد شوَّه الأحداث وغيب أسماء عن قصد. بينما الكاتب حسن بن سالم اعترض على ما تناوله المؤلف من أحداث وطرح رؤيته وروايته لها بهدوء وموضوعية، دون الدخول في النيات المبيتة فتلك تُهمة يصعب إثباتها موضوعياً. لذا فالكاتب عبد العزيز السليم نأى بنفسه عن معمعة الأحداث والأسماء، وتناول منهجية الكتاب وقيمته الثرية.

وإذا تجاوزنا العديد من المقالات التي استعرضت الكتاب استعراضاً عاماً دون مناقشته، نجد أن سعد المحارب كان أول من ناقش الكتاب بجديَّة وأشار لنقاط سلبية فيه بموضوعية وثمَّن منهجية الكتاب عالياً باعتبارها أهم قيمة فيه. وعلى نفس المنوال كانت الشبكة الليبرالية أول من استعرض الكتاب بشكل جاد ومطول في الإنترنت وثمن قيمته الكبيرة، بدأها الكاتب ريكور وتلاه زملاؤه، وكذلك اعتبرت شادية عسكر أن الكتاب عمل مهم رغم أنه افتقد للمنهجية برأيها؛ فيما بقية المواقع التي وجدتها اكتفت بعرض الكتاب دون مناقشته.

وفي مجالس المثقفين، ثمة من اعترض على الكتاب ذاكراً أنه سيكتب نقده واعتراضاته، وهذه مثاقفة إيجابية. بينما آخرون رفضوا الكتابة بسبب خشيتهم من رد الفعل الاجتماعي لكي لا يفهم نقدهم للكتاب بغياب أسماء مهمة أنهم يقصدون أنفسهم، مما يحرجهم اجتماعياً! وهنا تكريس للموقف الاجتماعي التقليدي الحسَّاس لأسماء الشخصيات الذي يلتبس فيه الذاتي بالموضوعي مع تضخيم الذاتي. ومن هذا الالتباس ذكر لي عدة مثقفين أنهم قرروا مقاطعة الكتابة عن هذا الكتاب أو حتى التطرق له بالمنتديات الثقافية وتهميشه لأنه همَّشهم! وهذا هو النسق الاجتماعي التقليدي الذي يتعامل مع المسألة الموضوعية بآلية شخصية ذاتية، مما يربك موضوعية الحراك الثقافي ويحرف مساره.

وفي تقديري أن المؤلف لم يسلم - ومن منَّا يسلم؟ - من وطأة الذاتي على موقفه الموضوعي. فبعض الأسماء التي أثنى عليها هي من دائرة عمله أو صداقته أو ميوله الفكرية. فأن يقوم المؤلف بإطراء اسم هو صاحب دار نشر الكتاب أو زميل عمل أو صديق فذلك يضعه بما يسمى في الأبحاث العلمية حالة نقص شروط الحياد، فمثلا لا يسوغ لنتيجة باحث أجرى تجربة علمية على منتجات من بينها منتج تصنعه الشركة التي يعمل بها، ليصل الاستنتاج بتفوق منتج شركته.

كان الأسلم موضوعياً للمؤلف لو تجنب الثناء على أسماء مقربة منه ومؤسسات عمل بها، أو لو أنه وضع شهادات آخرين وليس شهادته المجروحة. وهذا ينطبق على التيار الفكري الذي ينتمي أو يميل إليه (الإسلامي المستنير) الذي أثنى عليه مباشرة ومواربة، مقابل نقده الحاد لتيار الصحوة والتيار الليبرالي.

تمييز الذاتي عن الموضوعي لا يعني أنهما لا يتداخلان ويؤثران ببعضهما؛ فمن المناسب التساؤل إلى أي مدى تأثر اختيار المؤلف للأسماء بعلاقته وفكره ونجومية الرموز؟ وعلى الإجابة الحذر من فخاخ الأحكام الجاهزة الخاضعة للتوقعات المسبقة بفكر المؤلف وعلاقاته ونواياه. وهنا يحسن «موت المؤلف» لكي يتم التعامل مع الكتاب بمواجهة الاستقرائي باستقرائي مماثل، والاستنباطي باستنباطي، والمعلومة بمعلومة؛ ويستثنى من ذلك الحالات الشخصية التي لا يمكن تجنبها.

عبد العزيز الخضر مفكر وكيميائي مزج في كتابه بين الأحداث والشخصيات وحلَّلها بكيمياء الموضوع ورؤية المثقف البارع، وكتابه محاولة جادة وفريدة وثرية.. وربما تدشن لمرحلة كتاب سعودي جديد.



alhebib@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد