في الوقت الذي بات فيه مبدأ الحوار بين التيارات الفكرية الوطنية يمثل منجزاً وطنياً نسعى إلى تعزيزه ودعمه وترسيخه بكل الوسائل. وفي الوقت الذي يسعى الكثير إلى جعله بلا أسقف أو حدود سوى حدود الوطن وتضاريس المكان.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الكثير من الجهات المعنية بدفع عجلة الحراك الفكري والثقافي من أكاديمية وثقافية وإعلامية إلى تكريس مبدأ الشفافية والوضوح والانطلاق باتجاه آفاق نتجاوز بها الجدران والأسلاك الشائكة. وأيضا في الوقت الذي بتنا نقدم فيه مركز الحوار الوطني كواجهة حضارية تحاول أن تضرب جذورها في المكان وكجهة تسعى إلى تأصيل واستزراع مبدأ التعددية في مناخ ظل لقرون طويلة رازحاً تحت نبرة الصوت الواحد.
بعد هذا كله تصرح بعض الجهات المنظمة لمعرض الرياض الدولي القادم بأنه سيكون خالياً من الصراعات والتجاذبات بين التيارات على حد قولهم!
وكنموذج للبيروقراطية المعتقة سيتحول المعرض إلى فصول للشطار والمؤدبين وينفي المشاغبين إلى الخارج، في نفس المنفى الذي تقبع فيه الكتب التي لم يفسح لها الدخول في إدارة مراقبة المطبوعات بالوزارة.
فكرة معرض الرياض الدولي السنوي للكتاب من البداية كانت فكرة مستفزة لمألوف الوعي، لأنها مؤشر على إرادة مستنيرة ساعية إلى تعددية منبرية، تسعى إلى فتح النوافذ وإشراع البوابات لجميع أطياف الضوء تشرق على المكان.
المعرض ساحة نزال للأفكار وهي أرقى أشكال المواجهة التي توصلت لها الإنسانية عبر التاريخ من تحويل زمن الغاب والناب والسمو بها إلى مقام الفكرة والنظرية.
والنظرية التي تثبت منطقيتها وتماسكها الداخلي وقدرتها على الديمومة والاستمرار وتلبية حاجات وشروط المرحلة، هي التي ستتمكن من البقاء من خلال انتخاب نوعي يقوم به الزمن بدقة ضد جميع المتحجر والمتكلس والرافض للصيرورة التاريخية وحتمية قانون التبدل والتحول.
التجاذبات والنقاشات الفكرية في معرض الكتاب هي علامة صحة وحيوية أمام ثقافة القمع والنهر ومصادرة الكرامة البشرية في التفكر والتدبر وإعمال نعمة العقل.
وعندما تعلن الجهة المنظمة لمعرض الرياض الدولي القادم أن المعرض لن يكون ساحة للتجاذبات أو الصراعات يتورطون بشعارات فكر بوليسي مخابراتي مهمته حفظ النظام وليس حماية الفكر، فهم يدلقون لوناً رمادياً كئيباً على المعرض، لوناً خاضعاً لقوانين لطالما هيمنت على وزارة الثقافة والإعلام، فأنتجت إعلاماً بات يعرف عند الجماهير بغصب واحد وغصب اثنين، وخطاب إعلامي معتق متهلهل لم يستطع إلى الآن أن يدخل ساحة التنافسية والجودة على المستوى المحلي والإقليمي.
حيوية النزال الفكري هي علامة رقي وتحضر وأمة تعلن عن ملامحها بشكل متمدن يكفل الشفافية والأسقف المرتفعة للجميع، وصولاً إلى الحيز المتساوي بين جميع ألوان الطيف الوطني.. فيا وزارة القناة الأولى والثانية والثالثة و....... هل اللون الرمادي... الأحادي فخر تلوحون بها كواجهة إعلامية لمعرض كتاب دولي؟