خطت جامعة الملك سعود خطوات كبيرة نحو الريادة والتقدم العلمي، وذلك باستحداث مشروعات استراتيجية مضمونة الربح، وطويلة الأجل، تتمثل في إقرارها مشروع «مدينة الأوقاف» والتي تم اعتمادها في الفترة الماضية،......
.... وأصبح لهذا المشروع صدى كبير على المستويين المحلي والإقليمي، وتُقدم الجامعة من خلال هذا المشروع مفهوماً جديداً للعمل الخيري، وفلسفة جديدة له، حيث تكون تلك الأوقاف مرتبطة بدعم التعليم مما سوف يؤثر إيجاباً على الفرد والمجتمع.
ويهدف هذا المشروع لأن يكون أحد الروافد الاقتصادية للجامعة، حيث يتوقع له الكثيرون أن يوفر مبالغ طائلة تقدر بحوالي 25 مليار دولار خلال العقدين القادمين، ومما يدعم استمرارية ونجاح هذا المشروع هو تولي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رئاسة اللجنة العليا لهذا المشروع حيث عُرف عن سموه الكريم تبنيه للمشاريع الخيرية الكثيرة والتي كُتب لها النجاح على يد سموه.
وقد وفقت الجامعة في تبنيها لهذا المشروع العملاق، والذي سوف يكون له الأثر الإيجابي من الناحية الاقتصادية للجامعة، بما يسهم في تعزيز وتمويل جميع برامج وأنشطة الجامعة البحثية منها والتطويرية، وكذلك المساهمة في دعم المشروعات الطبية ودعم المستشفيات الجامعية في علاج الأمراض المستعصية والمزمنة.
وانطلق هذا المشروع من منطلق إسلامي لأن هذا العمل يُعد من الأعمال الجليلة التي يشجع عليها الإسلام ويحث عليها، وقد استشهد علماء وفقهاء الإسلام في أصل وشرعية الوقف بالأدلة الواردة في القرآن والسنة النبوية ومنها قوله تعالى ( وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) (سورة البقرة 197)، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ) (سورة المائدة 35)، وقد أوقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع حيطان له بالمدينة على بني عبد المطلب وبني هاشم.
ونهج الصحابة رضوان الله عليهم نهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتسابقوا في وقف أملاك لهم أسوة بالرسول عليه الصلاة والسلام.
وأكثر المسلمون من أعمال الخير والوقف في الدولة الأموية والعباسية، وكان الأثر الكبير الذي أحدثه الوقف في القرنين السادس والسابع الهجريين أن ازدهرت الحركة الفكرية وتطورت بفضل الله ثم بفضل تلك الأوقاف التي أُوقفت من قبل السلاطين والأمراء وعامة الناس، حيث كانوا يوقفون أملاكهم للمدارس والمساجد والمستشفيات وعلى طلبة العلم، ومن هنا ظهرت الموسوعات العلمية في تلك الفترة بفضل الدعم الذي يرد من هذه الأوقاف، وتنوع التأليف في مختلف الموضوعات الفكرية كالتاريخ، والجغرافيا، والأدب، والشعر، والطب، وغيره.
وكان السلطان محمود نور الدين زنكي (541هـ / 1146م- 596هـ / 1174م) هو من أكثر السلاطين اهتماماً بالوقف، حيث ساهم وشجع في إيجاد أوقافٍ كثيرة في المدن الشامية، وأوقف أوقافاً عدة على المدارس والمساجد والمستشفيات، وعلى طلبة العلم، وتبعه السلطان صلاح الدين الأيوبي (569هـ / 1174م- 569هـ / 1192م) مؤسس الدولة الأيوبية والسلاطين الأيوبيين من بعده، ومن ثم تابع السلاطين المماليك اهتمامهم بالأوقاف على المدارس والمساجد، وتواصلت الحركة العلمية في ذلك العصر، بل أصبحت تلك الأوقاف هي الرافد لهؤلاء المؤلفون في الاستمرار في البحث والتأليف العلمي.
ولعل جامعة الملك سعود من خلال هذه الأوقاف المباركة، ومع بداية انطلاقها أن تساهم في إثراء الحركة الفكرية في المملكة، وخاصة في مجال البحث العلمي والتطوير المهني ونأمل أيضاً أن تساهم هذه الأوقاف في إيجاد مراكز دراسات إستراتيجية متنوعة في مختلف مناطق المملكة، وسيشكل هذا المشروع الطموح حافزاً لبقية الجامعات السعودية لتخطو مثل هذه الخطوة في إيجاد أوقاف لها حسب الإمكانيات المتاحة في المناطق، حتى تستطيع هذه الجامعات في المستقبل القريب أن تعتمد على نفسها مالياً لتنفيذ مشاريعها العلمية والبحثية.