السؤال الكبير الذي يتردّد كثيراً في معظم حواراتنا الثقافية هو: هل التعليم هو الأداة أو القوة التي تشكِّل هوية المجتمع وثقافته، أم أنّ هوية المجتمع وثقافته هي التي تشكِّل هوية التعليم في ذلك المجتمع؟ دعونا نصوغ هذا السؤال بصورة أخرى: هل التعليم هو (الحصان) الذي يجر العربة (المجتمع)، أم أنّ المجتمع هو (الحصان) الذي يجر التعليم (العربة)؟. إذا كانت الثقافة هي التي تهيمن على التعليم وتشكِّله في إطار علاقة (السيد - العبد) - فإنه سيصبح قدراً محتوماً على الشعوب المتخلفة ثقافياً أن تتخلّف تعليمياً بل وتتخلّف حضارياً، وذلك نظراً لأنّ كثيراً من الأمم لا تتقبّل مراجعة ثقافتها وتنقيحها وانفتاحها، تحسساً من الثقافات الأخرى وخوفاً من ذوبان ثقافتها أياً كانت نوعية تلك الثقافة. في ظني أنّ التعليم هو الذي يجب أن يعيد تشكيل بعض من جوانب الثقافة التي تعيق دور التعليم في تحقيق التنمية والنهوض الحضاري، وهذا لن يتحقق إلاّ إذا تعمّق إيمان القيادات السياسية بدور التعليم في صناعة القوة الناعمة والصلبة، وتعاهدت تلك القيادات السياسية مع المفكرين العقلاء الذين ينادون بعدم الحجر على التفكير، ويرون ضرورة الانفتاح على كل الثقافات والاستفادة من تجاربهم، فيما يحقق للوطن مشاركة في صناعة حضارة اليوم.