Al Jazirah NewsPaper Sunday  14/02/2010 G Issue 13653
الأحد 30 صفر 1431   العدد  13653
 
20 خطيبة.. و(8442) خطيباً..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

 

هل يعقل هذا..؟ إنه مخزٍ ومخجل؛ أن يحدث هذا بيننا..! لا أقوى على الكتابة في هذا الموضوع لأشفي غليلي، فأنا أكاد أتميز غيظاً. والقول هنا ل(أحمد الحمادي)، الذي كتب إليّ أسفاً وهو حزين، بعد أن قرأ -كما يقول- خبراً نشر في ....

.... صحفنا قبل عدة أيام، وفيه أن (8442) مواطناً من طالبي الوظائف، تكأكؤوا وتزاحموا وتداحموا، فترافسوا بأقدامهم، وتدافعوا بمناكبهم، على (20) وظيفة فقط في قطاع صحي. الوظائف المعلن عنها في صحة محافظة الطائف، وهي كانت عبارة عن: (مراسل مكتب، وحارس أمن) لا أقل ولا أكثر، ومع تواضع المعروض كماً وكيفاً في العشرين وظيفة المعروضة، إلا أن عدد المتسابقين عليها، ناهز الثمانية آلاف وخمسمئة متسابق، وكلهم من حملة شهادات الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ثم الجامعية..!.

* يبدو أن الأخ (الحمادي)، تعجب من ذلك، أو هو تفاجأ بهذا العدد الكبير الذي ظل ينتظر الإعلان عن عشرين وظيفة، ليهجم عليها بهذه الكثرة والضراوة، وهو محق في تعجبه وتأسفه وحزنه، خاصة إذا ما قاس هذه الحالة العجيبة، على مائة وثلاث محافظات أخرى في أنحاء المملكة، مما يعني أن مئات آلاف الشباب والشابات السعوديين، من حاملي شهادات تعليم عام وجامعي، هم عاطلون عن العمل، ويعيشون في حالة انتظار الإعلان عن وظائف من هذا القبيل هنا وهناك، لكي يسابقوا عليها، ويفوزوا بود العزيزة -وظيفة-، حتى لو لم تمنح الواحد منهم، أكثر من ألف وخمسمائة ريال، هي مرتب مراسل مكتب، أو حارس أمني في دائرة رسمية.

* ولو أن الأخ (الحمادي) تمادى في تصوره لأبعاد هذه الحالة العجيبة، لوصل إلى قناعات أعجب وأغرب، ومنها على سبيل المثال، أن هذا العدد الكبير من طالبي وظائف متواضعة برواتب متدنية، وهم أصحاب شهادات أياً كانت، هم في واقع الأمر، ممن يحلم بكرسي وبراد شاي في مكتب مكيف بدون عمل يذكر، وإلا فأين هم من مئات آلاف الوظائف المرموقة، التي هي بمرتبات وعوائد مالية عالية، ويشغلها متعاقدون من غير السعوديين، سواء في قطاعات خاصة أو حتى عامة.

* سيقول الأخ (الحمادي)؛ وربما غيره كذلك: بأن شهاداتهم هذه، لا تؤهلهم لغير هذه المستويات الوظيفية المتواضعة، فماذا يفعلون..؟ وأقول: هذا صحيح إلى حد بعيد، لكن متى نجد الشاب الذي يملك الطموح، ويتوق للتفوق، ويبحث عن تطوير ذاته وظيفياً ومهنياً، حتى وهو على مقاعد الدراسة، فلا يرضى أن تتوقف به حياته عند شهادة تعليم عام، ولا حتى عند شهادة جامعية نظرية، في زمن العلم والعمل، وليس زمن الكلام لمجرد الكلام، واجترار الماضي بصور ملهية ومضحكة.

* والحالة التي أمامنا، تتعدى كونها مئات ألوف من الخريجين الذين ينتظرون دورهم في التوظيف. هذا تبسيط مخل جداً. المسألة أكبر من هذا بكثير، فليست العبرة هنا بالكم ولكن بالكيف، فالكم هو من نصيب ابن الوطن عادة، لأن الأرقام مما يدغدغ مشاعره، بينما الكيف هو للقادم من خارج الحدود، الذي ربما لا يحمل شهادة جامعية كما هو طموح الكثير منا، لكنه يحمل شهادة علمية ومهنية وفنية، ويحمل معها إرادة قوية على أن يكون مِلكاً لوظيفته، لا مالكاً لها، ومعظم العاطلين من شبابنا المتخرجين في كليات أو معاهد ونحوها، يعتقدون أن الوظائف من أملاكهم الخاصة، وقد لا يلامون كثيراً في هذا، لأنهم ضحايا للتعليم العام أولاً، وضحايا لما بعد التعليم العام، فمخرجات التعليم العام بصورة عامة، ما زالت بعيدة عن حاجة البلاد عملياً وتنموياً، والمعاهد التقنية والمهنية التي ظهرت في البلاد قبل نصف قرن، لم تثبت حضورها في المعامل والمصانع والأسواق وما سواها بشكل كافٍ، وأتحدى قطاعاً مثل التعليم التقني والمهني، أن يقدم لنا على رؤوس الأشهاد، سعودياً واحداً في مؤسسة صناعية أو فنية، يماثل في كفاءته وإنتاجيته وطريقة تفكيره، ما نعرفه في آلاف السعوديين الذين تخرجوا في مدرسة (أرامكو الأمريكية) وقتها، والذين يقومون اليوم بإدارة (أرامكو السعودية)، بكل كفاءة واقتدار.

* لماذا كرسنا التعليم النظري على حساب العلمي والعملي طيلة عقود مضت..؟ ومتى نعكس الاتجاه بعزم وحزم، حتى لا تتضاعف بيننا أعداد العاطلين عن العمل..؟.

* متى نستيقظ من غفوة (الصحوة)، التي خطفت التعليم قبل ثلث قرن، ثم حولته إلى ميدان يحارب العلم، ويكرس ثقافة اللحود والجحود، وأوهام تفسير الأحلام، وملاحقة الجان في حنايا بني الإنسان، والمراهنة على طب العسل والحبة السوداء والرقية دون سواها..؟.

* لماذا لم ننتبه إلى ذلك المنعطف الخطير، الذي حولنا عن وجهتنا، فكاد أن يعزلنا عما حولنا، فجعلنا متعلمين عاطلين، إلا عن صنعة الكلام، ومواجهة الحياة، بعقلية هؤلاء..؟.

* ليتنا لم نرتهن لتلك وتلك وتلك، ولم نرتكب غلطة عمرنا بوقف الابتعاث للخارج، ولم نسمح لهوامير البيض وسوا وغوا، أن يغسلوا أدمغتنا، فيبتزوننا في أموالنا، ولم نغتر بمدح أنفسنا وتمجيد ذواتنا، ولم نصدق قولنا لبعضنا بأن: (كل شيء تمام).

* لو كان كل شيء تمام، لما احتجنا إلى من يعمل نيابة عنا، في المصانع والمؤسسات والشركات وغيرها، وحتى في بيوتنا، ولما وجدنا ثمانية آلاف وخمسمئة سعودي، يقفون جميعاً على أعتاب عشرين وظيفة صغيرة، طالبين الود والقرب منها، وعيونهم على مئات من الريالات، لا تشتري للواحد منهم، خروفاً يذبحه ابتهاجاً بحصوله على الوظيفة الودودة ذاتها.



assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد