Al Jazirah NewsPaper Friday  12/02/2010 G Issue 13651
الجمعة 28 صفر 1431   العدد  13651
 
ثقافة الانبهار
د. أحمد بن جزاع الرضيمان (*)

 

يصاب بعض الشباب بصدمة عنيفة، ربما حرفت اتجاههم، وربما طرحتهم أرضاً، وسبب تلك الصدمة انبهارهم بالغرب في حياته المادية؛ لما يرونه فيهم من صناعات متفوقة، ونظام محكم، وتقدير للمتميزين، وصدق في المواعيد، وتنوع ثقافة، دانت لهم الأمم، وصاروا يحكمون العالم، في حين أن واقع كثير من المسلمين، وليس أكثرهم، جهل وذل وخمول وخنوع، كذب في المواعيد، وإحباط للمتميزين المؤهلين، لم يصنعوا طائرة ولا سيارة ولا حاسوباً، أحوالهم سيئة وبينهم وبين التقدم أمد بعيد.

هذا الواقع يجعل البعض ينبهر بالغربيين، ويرتمي في أحضانهم، وفي أفكارهم وثقافاتهم، ويقول: لولا أنهم على حق، وأن المسلمين على باطل، لما كانوا على هذا الوصف؛ فيتبع حينئذ غير سبيل المؤمنين، ويظن أن شريعة الإسلام لا تناسب التقدم، وأن التقدم يتطلب الخروج عليها، كما خرج الغرب على الكنيسة.

فيقال لأولئك المنبهرين:

أولاً: إن تأخر المسلمين ليس ناشئاً عن دينهم؛ فالدين يدعو إلى العلم واحترام أهله والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة معلومة.

ثانياً: من الظلم المبين أن يحتج على الدين بتفريط المسلمين؛ ألا ننظر إلى أحوال المسلمين عندما كانوا متمسكين بدينهم وأخلاقهم؛ فدانت لهم الدنيا من مشارقها إلى مغاربها، وخضعت لهم أقوى الأمم، ونشروا العلوم النافعة في الدين، والعلوم النافعة في الدنيا كالطب والرياضيات والفلك ونحوها؛ فما الذي جعل أولئك المسلمين متقدمين في الدين والدنيا؟ لو سلكنا طريقهم وتمسكنا بديننا، وأخذنا بأسباب التقدم التقني الذي يناسب عصرنا، ألا نكون قد جمعنا بين الحسنيين؟

ثالثاً: كيف ينبهر المسلم بأفكار وثقافات قد تؤول إلى الشر والهلاك، ويزدري ديناً قيماً، كامل القواعد، ثابت الأركان، يدعو إلى كل خير، ديناً مبنياً على الحضارة الراقية الصحيحة التي بنيت على التوحيد والعدل والرحمة، وسلمت من الظلم والجشع والأخلاق المنحطة.

فالقوة والمدنية والحضارة بأنواعها إذا خلت من الدين الحق، فإن مآلها إلى شرور عظيمة، ومجازر فظيعة، وما هيروشيما منا ببعيد؛ فلماذا هذا الانبهار والإعجاب والله تعالى يقول: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}؟ والإعجاب والتأثر الظاهر قد يؤديان إلى موافقة وتأثر في الباطن، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)؛ فعدم تسوية الصفوف أمر ظاهر، لكنه يؤدي إلى أمر باطن، من أعمال القلوب، كما دل عليه الحديث.

رابعاً: أمرنا الإسلام بأن نستفيد مما عند الآخرين من تقدم وتجارب لا تتعارض مع ديننا؛ فالحكمة ضالة المؤمن، ولكن يجب أن يعلم أن ذلك لا يعني الارتماء في أحضان الغرب، وأخذ ثقافته وعقائده، ونبذ شريعة الإسلام وراء الظهور، كما لا يجوز أن نقول عن الغرب الكافر: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً؛ قال تعالى: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}.

كما لا يجوز ظلم الغرب الكافر، وازدراء إنجازاته التي فيها نفع للناس، بل يشكرون ويكافؤون على كل معروف فعلوه؛ عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه)، وهذا الشكر والمكافأة لا يعنيان الانبهار بهم؛ فكما أن لهم إنجازات في نفع الناس، فإن لهم أيضاً إخفاقات في العقيدة والسلوك وإثارة الفتن بين المسلمين، وصدق الله إذ يقول: {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ}.

(*) حائل



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد