Al Jazirah NewsPaper Friday  12/02/2010 G Issue 13651
الجمعة 28 صفر 1431   العدد  13651
 
رحم الله شيخنا عبدالكريم اليوسف

 

رحمك الله يا أبا عبدالله فقد ودعتنا تمام الساعة الثالثة عصر الأحد في اليوم الرابع والعشرين من المحرم لهذا العام، حيث أدخل الإسعاف الساعة الثانية في الليلة السابقة ثم أدخل العناية، وقد فاق قبل وفاته بنصف ساعة، وقال للممرض: أبشرك أني في الجنة، فلك في قلوب عامة أهل الزلفي حب ووفاء وقدر، وهكذا الدنيا أناس ترحل وأناس للحياة تقبل. فقدنا الشيخ الرجل الفاضل المتواضع الزاهد صاحب الخلق الرفيع والقلب المحب للجميع، فدمعة العين تذرف وقلب للحزن يهتف رحلت رحلت رحلت. فسبحانه الواحد الأعظم بداية الإنسان جنين ونهاية تحت الثرى مقيم، هكذا الحياة تأخذ منا الأحباب وللباقين دخول مع الأبواب، سعد من حسنت خاتمته وتعس من ساءت نهايته.

ولا يسعنا إلا أن نقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) وإنا على فراقك يا أبا عبدالله لمحزونون، فلقد امتلأ جامع الملك عبدالعزيز بالمصلين الذين قدموا من أنحاء متفرقة من مناطق ومحافظات شتى بل من الهجر والبوادي فقد بلغ عدد المصلين بعد الفريضة قرابة أربعة آلاف مصل يتقدمهم سعادة المحافظ، بل إن هناك مثلهم ممن كانوا ينتظرون في المقبرة للصلاة عليه، إضافة إلى تتابع الوافدين جماعات.

شيخنا الجليل ولد في الزلفي عام 1345هـ، توفي والده وهو صغير وقد كان عمره آنذاك ثمان سنوات، فعاش يتيماً وقد تربى على يد والدته (هيلة بنت عبدالكريم الدرويش)، وقد أحسنت تربيته ورعايته واهتمت به كثيراً منذ صغره.

حفظ القرآن على يد الشيخ محمد بن عمر، وقرأ على الشيخ حمود بن عبدالله التويجري والشيخ عبدالله التويجري - رحمهما الله - وقرأ كتاب الفقه وكتاب التوحيد على يد الشيخ عبدالرزاق بن محمد بن عبدالله المسعود وأخيه عبدالله - رحمهما الله -، وقد كان والدهما الشيخ محمد بن عبدالله المسعود قدوة له في الأخلاق والتعامل والصفات الحميدة.

يعتبر كتّابه من أشهر الكتاتيب في محافظة الزلفي، وقد تعلم وقرأ على يده خلق كثير صغارا وكبارا، وكان آنذاك الداعية الوحيد في البلد. كان إماماً في مسجد تميم بن أوس الداري (مسجد حي المطار سابقاً) ولا يعرف إلا ب(مسجد عبدالكريم) وله في إمامة المسجد ما يزيد على 50 سنة. وهو الذي قام بتأسيسه حيث كان آنذاك في صحراء واسعة من البلدة وبالقرب منه ملاعب كرة لأجيال وصلوا الآن سن الستين، حيث يجمعهم للصلاة في هذا المكان حتى عرف المصلى فكان يأتيه غير هؤلاء الرياضيين ومن ثم صار مسجد فروض ثم بعد ذلك تم بناؤه.

رحمة الله عليه كان رجلا عابدا زاهدا كريما متواضعا واصلا معلما محبا لوطنه مواليا لولاته.. كسب محبة الجميع.. رجل.. نادر في زمانه.. محب للآخرين.. غيور على دينه.. لا يعرف الكذب والنفاق، بعيد عن الغيبة النميمة ليس للهوى مكان في قلبه.. اللهم وسع قبره وألهم ذويه الصبر والسلوان.

ومما تحلى رحمه الله تعالى به صفة الزهد، فقد صرفه الزهد عن الدنيا إلى ما هو خير منها، وترك راحة الدنيا طلبا لراحة الآخرة وأن يخلو قلبه عما خلت منه يداه، وأعانه على ذلك أن الدنيا ظل زائل، وخيال زائر فهي عنده كما قال تعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} ولعلمه أن وراءها دارا أعظم منها قدرا وأجل خطرا، وهي دار البقاء.

يضاف إلى ذلك معرفته وإيمانه الحق بأن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئا كتب له منها، وأن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها، فلما تيقن ذلك ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة.

ومن صفاته التواضع فقد كان - رحمه الله - بسيطا يجلس مع الصغير والكبير والمقيم والوافد بكل أريحية أيا كان حتى مع العمال والفقراء يضاحكهم ويمازحهم حتى أن تواضعه غفر الله له من أهم الأشياء عنده.

ومن صفاته التواضع مع أقاربه فكان يحضر اجتماعات العائلة وله فيها كلمة توجيهية، وكان يجمع أبناءه وبناته وأبناءهم كل خميس ولا يهنأ له بال إلا إذا جلس بينهم، فيقوم بتوجيههم وكان آخر ذلك الخميس الماضي وركز في كلمته على التمسك بالتواصل وعدم التقاطع وكأنها موعظة مودع، وكذا اشتهر عنه تواصله مع الآخرين وحضور مجالسهم، وكذا تواصله في زيارة المرضى ويكاد يكون يومياً.

ومن أجلّ أعماله الوعظ والتذكير فهو من أشهر الدعاة والوعاظ في مدينة الزلفي منذ ستين سنة، وكان في كل جمعة يجوب البوادي والهجر شرقا وغربا وجنوبا وشمالا وذلك للدعوة إلى الله وتوزيع ما قام بجمعه من ملابس.

ومن صفاته الكرم، فقد كان كريما مع قلة ما بيده لا ينتظر شكرا من أحد وله في الشعر العربي والنونيات حفظ للقول والنصح، وله نظم من الرجز إلا أنه مازال متفرقا لم يجمع.

وبحكم قربي منه رحمه الله تعالى، فهذه جوانب قد رأيتها في حياته، استفدت منها وستبقى إن شاء الله مضيئة بل أكثر إضاءة بعدما جاء الأجل وانتقل إلى خير مما كان عليه، وهو موضع استفادة لكل طالب حق، فإنه وبحق قد كان في محل من يصلح للاقتداء به، ولعل هناك إضافات من القراء الأعزاء فرحمه الله رحمة واسعة ونور عليه في قبره ونعمه في برزخه ويوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وحقق الله آماله بدخول الجنة يا رب العالمين.

أحمد عبداللطيف المسعود
معلم - المعهد العلمي – الزلفي



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد