ماذا عسانا نقول ونحن نتلقى نبأ وفاة زميلنا وعزيزنا وصديقنا وحبيبنا، فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالرحمن الدخيل الذي وافاه أجله المقدر ظهر يوم الأربعاء الموافق 5-2-1431هـ وذلك إثر حادث مروري تعرض له، لا نملك ونحن نستقبل هذا النبأ المحزن إلا الصبر والدعاء له بالرحمة والمغفرة، وأن يلهم أمه وأهله وإخوته وأطفاله الصغار الصبر والسلوان، وأن يجبر مصابنا ومصابهم في هذه الفجيعة المحزنة.لقد فجعت بالخبر واندهشت فقدكان آخر لقاء لي معه قبل أسبوعين في استراحته العامرة وآخر مكالمة قبل أيام فقلت سبحان الله!
أي دنيا هذه التي نعيشها؟ ها هو أبوعبدالرحمن يذهب من بيننا، شاب موفور الصحة والنشاط، لم يشكُ من علة ولا مرض، خطفته يد المنون بعد انتهائه من عمله في لجنة الامتحان ولم يدرِ أنه بعد لحظات سيواجه امتحان الآخرة، حيث وقع له هذا الحادث نسأل الله له الثبات والمغفرة لا إله إلا الله لولا التصبر والصبر وموعود الله بالأجر، ولولا حرمة التسخط ورد القضاء، لكان لنا مع حبيبنا وزميلنا الشيخ -صالح- شأن آخر، ولكن لا نقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون، وإن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا على فراقك يا أبا عبدالرحمن لمحزونون.
أي لوعة بالقلب يحدثها فراق صديق محب؟!
أي شدة ونصب يجدها من فقد صديقاً مخلصاً؟!
أي حزن يسكن القلب، وأي نار يؤججها الفراق؟!
لك الله يا أبا عبدالرحمن ذهبت وأنت شاب طري العود، ذهبت عنا بعيدا ولن تعود، لا نقول ذلك تسخطاً وتذمراً بل لله الحكمة التامة، والمشيئة النافذة، لا راد لما قضاه، ولا معقب لحكمه.
فنسأل الله أن يبدلك عن شبابك نعيماً وحبوراً، وأنساً في قبرك وسروراً.
عرفت أخي وزميلي -الدكتور صالح- منذ سنين تزيد على العشرين، حيث تزاملنا أنا وإياه في الجامعة الإسلامية، في المدينة النبوية، في أحد أقسامها العلمية، وهو قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة، نهلنا سوياً من أودية المدينة العلمية، وشربنا من أيدي علمائها كؤوساً روية.
عرفته -رحمه الله- محباً للعلم والعلماء مثنياً على مشايخه، مبجلاً لهم، عرفته تلميذاً مستفيداً، قابل علماء أجلاء أخذ عنهم، واستفاد منهم علوماً شتى، فممن أخذ عنه شيخنا الشيخ -عبدالله الغنيمان- أخذ عنه في المدينة، وفي القصيم، وكذا الشيخ حماد الأنصاري -رحمه الله- والشيخ محمد أمان - رحمه الله- والشيخ عبدالكريم الأثري -رحمه الله- وكذا الشيخ الدكتور صالح العبود رئيس الجامعة الإسلامية سابقاً، وفضيلة الشيخ الدكتور -صالح بن سعد السحيمي- رئيس قسم العقيدة في الجامعة الإسلامية سابقاً، والشيخ -عبدالمحسن العباد، وكل هؤلاء قابلهم واستفاد منهم وهم تلاميذ الشيخ ابن باز -رحمه الله- كما نهل واستفاد من علامة القصيم الشيخ -محمد بن صالح العثيمين.
واستفاد من كتبه، خاصة كتب العقيدة، فلا غرو بعد ذلك أن يكون متمسكاً بالعقيدة الصحيحة.
حافظاً قلبه عن شبهات تبث هنا وهناك، كيف لا، وهو من رضع لبانها، وأخذها غضة طرية عن علمائها، فهو ابن بجدتها، وراكب صهوتها، رحمك الله أبا عبدالرحمن، وأسكنك فسيح الجنان، أفنيت سنينك في خدمة دينك، مشوارك العلمي شاهد بذلك.
فكلية الشريعة، والدراسات العليا، ثم مرحلة الماجستير، فالدكتوراه، كلها تخبر عن محبتك، العلم علمٌ هو موروث نبيك -صلى الله عليه وسلم- فمدارستك له تسبيح، وتعلمك له عبادة، والبحث عن مسائله وأحكامه جهاد في سبيل الله.
فأسأل الله - جل جلاله- ألا يحرمك أجرما سعيت وأن يغفر الله لك مافيه قصرت وتوانيت.
عرفت الشيخ صالحا مصلياً صائماً، محباً للقرآن دائماً، عرفته باراً بأمه قائماً بشؤونها.
عرفتك محباً لنبيك -صلى الله عليه وسلم- مقتفياً أثره، متبعاً لسنته، معظماً لصحابته، فأسأل الله أن يحشرك معهم فقد قال صلى الله عليه وسلم (المرء مع من أحب).
عرفته محباً للكرم والكرماء، فكم أتحفنا بعائدته، وأكلنا من أصناف مائدته.
عرفتك أبا عبدالرحمن محباً للطرفة والدعابة، بروح شفافة خلابة.
كم ضمتنا معه مجالس في ربى المدينة وحرارها، وكم شممنا من سكبها(1) وعرارها(1)، يعجبك حديثه ولا يمله جليسه، طالما أتحفنا بقصصه الطريفة، وأحاديثه الظريفة.
(فرحمه الله رحمة واسعة وتقبله عنده من الشهداء(2).
فعزاؤنا فيك أبا عبدالرحمن أن الله كتب الموت على كل حي قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} عزاؤنا فيك أن الله لم يكتب الخلد لأحد من الخلق.
عزاؤنا فيك أن الله وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أجراً عظيماً، وأنت إن شاء الله نحسبك من هؤلاء، عزاؤنا فيك غراسك الذي غرست، علمك الذي ورثت، تجده إن شاء أحوج ما تكون إليه.
لقد زرعت طلاباً هم الآن دعاة هدى وخير، طالما علمتهم العقيدة، وأبنت لهم السنة، وغرست فيهم الإيمان، فأجرك على الله إن شاء الله. كم من ألسن لك بالدعاء ناطقة، وكم من قلوب بالثناء عليك صادقة.
أحصاه الله ونسوه فهنيئاً لك هذا الغرس، فقد أثمر وأينع وحان لك قطافه.
تجده في قبرك أحوج ما تكون إليه فإلى جنة الخلد أبا عبدالرحمن وإلى الفردوس الأعلى وما ذلك على الله بعزيز، وبعد.. فعزائي إلى أمه الفاضلة، وزوجه الصابرة، وأولاده الصغار، وإخوته، وأخواته، وعائلته الكريمة أحسن الله عزاءكم، وعظم الله أجركم، وغفر الله لميتكم.
لكم الله جميعاً فهو مولاكم ونصيركم نعم المولى ونعم النصير، وهو أرحم بكم من كل أحد فما ابتلاكم إلا ليراكم وما أصابكم إلا ليرفع درجاتكم فثقوا بربكم وعليه توكلوا فمن توكل على الله كفاه، الزموا ذكره، وأحسنوا الظن به، وأنزلوا حاجاتكم ببابه، فهو فارج الكربات وكاشف الملمات، إليه المفزع والملتجأ، فمن أنزل حاجته به قضاها ولو عظمت وضاق بها فضاها، فمن الذي رفع يديه فلم يعطه ومن الذي سكب أدمعه فلم يرحمه، سبحانه هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
وعزائي موصول إلى مشايخه، وزملائه، وطلابه، فحقه عليكم الدعاء، وذكر محاسنه، والتجاوز عن هفواته، فجل من لا يهفو وإلهكم يصفح ويعفو.
وبعد فهذا ما أعرفه عن أخي وصديقي وزميلي فضيلة الشيخ الدكتور -صالح بن عبدالرحمن الدخيل- ولا أزكي على الله أحدا ولكن هكذا أحسبه وأظنه والله يغفر لنا وله ويتجاوز عنه بمنه وفضله.
1 - نباتان لهما رائحة زكية
2 - الشيخ ابن باز يفتي أن من مات بحادث فهو من الشهداء.
صالح بن علي المحسن
جامعة القصيم - قسم العقيدة