الفساد في اللغة: (مصدر فسد يفسد فساداً.. وهو ضد الصلاح)، وقيل: الفساد (نقيض الصلاح أو الإصلاح) لسان العرب مادة فسد، تهذيب اللغة 12-369، والفساد في الاصطلاح الشرعي: (جميع المحرمات والمكروهات شرعاً)
القواعد الكبرى - ابن عبد السلام ص 11-19، وعرَّفت اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الفساد بأنه: (القيام بأعمال تمثل أداء غير سليم للواجب.. أو إساءة استغلال لموقع أو سلطة.. بما في ذلك أفعال الإغفال توقُّعاً لمزيَّةٍ.. أو سعياً للحصول على مزية يُوعد بها أو تُعرض أو تُطلب بشكل مباشر أو غير مباشر.. أو أَثرَ قبول مزية ممنوحة بشكل سواء للشخص ذاته أو لصالح شخص آخر).. وورد لفظ الفساد في القرآن الكريم في خمسين موضعاً من القرآن الكريم.. كما وردت أحاديث كثيرة في النهي عن الفساد وأسبابه ودوافعه وبواعثه وبيان أنواعه ومواطنه، ويمكن تصنيف أنواع الفساد بطرق مختلفة منها: الفساد السياسي والفساد الاقتصادي والفساد الإداري والفساد الاجتماعي والفساد الثقافي، وهناك صعوبة في التفرقة بين الفساد الإداري والفساد السياسي.. فالفساد السياسي (يجري في مساحات الالتقاء بين النشاطين العام والخاص كأن يستخدم الساسة ما يتمتعون به من ميزات في السيطرة على الموارد النادرة لمبادلتها بصورة غير مشروعة مع أصحاب المشروعات الخاصة تحقيقاً لمنفعة الطرفين).. ويُعرَّف الفساد الإداري بأنه: (اتباع سلوك مخالف للقوانين من خلال استغلال الموظف العام لموقعه وصلاحياته عن طريق قيامه بالأفعال البيروقراطية المنحرفة.. وهو الفساد الذي ينشأ بسبب سوء التخطيط، وتغليب المصالح الفردية على حساب المصالح العامة).. كما أن الفساد الثقافي يتمثل في (خروج أي جماعة ثقافية عن الثوابت العامة وتعمُّدها إلى تفكيك هويتها وخصائصها والمساس بمواضيع الطهر والعفة في ثقافتها) تحت حصانة ما يُسمى ب(حرية الرأي) أو (حرية الإبداع) كما أن الفساد الاقتصادي يُعرَّف بأنه: (القيام بعمل منافٍ للقوانين أو الأخلاق يتم بواسطة شخص عند تقاضيه أو الحصول على وعد بتقاضيه أموالاً داخل أو خارج نطاق القنوات الشرعية بغرض الانتفاع الشخصي مقابل تقديم تسهيلات سرية ذات صلة بالموقع لهذا الشخص لعملاء خارجين).. وللفساد بأنواعه آثار سلبية على الحياة العامة منها:
1- إن أول وأهم آثار الفساد على الحياة الاقتصادية والسياسية هو تعميم الظاهرة واعتبار ممارسة الفساد من الشروط الأساسية للاستثمار.
2- انتشار الرشوة وتعوُّد الناس على أخذها أو إعطائها وقبولها مع ما فيها من ظلم وجور إضافة إلى تفشي الكسب الحرام بين الشركات والمواطنين.
3- هدر الأموال وعدم الكفاءة الاقتصادية مع زيادة تكلفة الخدمات والسلعة.
4- الإضرار بتنمية المجتمع وقتل الروح المعنوية للأفراد مع شعورهم بالظلم وعدم القدرة على الحصول على حقوقهم.
5- وجود كفاءات غير مؤهلة واستئثارها بالمناصب والمناقصات.. استناداً لعلاقتها الشخصية وصِلاتها مما يعطي الفرصة لتسرُّب الكفاءات الجيدة وحرمانها من ممارسة إبداعاتها.
6- سعي ضعاف النفوس إلى تقليد المنحرفين إدارياً وعدم الخوف من العقوبة بسبب التهاون.
7- انتشار الواسطة واعتماد المقتدرين عليها وضياع حقوق غير المقتدرين.
8- تبادل المصالح بين المسؤولين والاعتماد على العلاقات الشخصية والمصلحة الفردية.
9- إصرار الموظفين على التمسك بالإجراءات العقيمة وتعطيل مصالح الناس بسببها.
ولقد بُذلت جهود دولية لمكافحة الفساد، ففي النصف الأول من القرن الماضي بدأت الأمم المتحدة الاهتمام بمكافحة الفساد، ووضعته لجنة الأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ضمن أولوياتها، وذهبت اللجنة إلى أن تعزيز حكم القانون وإدارة الحكم السديد والحفاظ عليهما هما الوسيلة المُثلى لمكافحة الفساد، وشاركت اللجنة أجهزة دولية أخرى مثل مركز الأمم المتحدة المعني بمنع الإجرام الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ومجلس وزراء الداخلية العرب، ومجلس أوروبا، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الدول الأمريكية، والبنك الدولي، والمنظمة الدولية للشفافية.. وهي منظمة غير حكومية مقرها ألمانيا وترصد الفساد في كل بلد.. وقد عقدت المنظمة عدة مؤتمرات دولية لمكافحة الفساد.. كان أهمها المؤتمر التاسع لمكافحة الفساد الذي عُقد في دوربان بجنوب إفريقيا في أكتوبر 1999م.. وكان موضوعه: النزاهة الدولية عام 2000م.. والمجتمع الدولي يؤمن إيماناً عميقاً بأن إجراءات مكافحة الفساد الناجحة تقوم على أساس التزام قوي وثابت من الحكومات بمحاربة تلك الظاهرة في كل مظاهرها، وأن أي برنامج ناجح لمكافحة الفساد يستلزم وجود أجهزة والقيام بأنشطة على النحو التالي:
1- جهاز عدالة جنائية فعَّال ونزيه تتمتع هيئته القضائية بالاستقلال وحرية اتخاذ القرار.
2- صحافة حرة ونزيهة ويقظة.
3- تدريب فعَّال ومستمر لأجهزة إنفاذ القوانين، وسلطات التحقيق، وأجهزة مراجعة الحسابات والرصد.
4- مشاركة المجتمع المدني وتضامنه وتعاونه بصورة نشطة.. وذلك يتطلب العمل على تغيير مواقف الناس وفهمهم لحقيقة الفساد حتى يسهل إحباط ما للفساد من طابع رضائي.
5- إلزام الموظفين بالإفصاح عن ممتلكاتهم عند بدء العمل وأي تطور يحل بها حتى يمكن محاسبتهم على الكسب غير المشروع.. ولا يقتصر ذلك على العاملين في الحكومة.. بل يجب امتداده إلى أعضاء السلطة القضائية وأعضاء السلطة التنفيذية.. وكل من يعهد إليه بخدمة عامة.
6- اعتبار جرائم الفساد من الجرائم المُوجبة للتسليم ولا يجوز رفض التسليم بدعوى أن بعض هذه الجرائم سياسية.
7- لا يجوز أن تحول السرية المصرفية دون تتبع أموال الفاسدين وتجميدها ومصادرتها.
وهناك ثلاث مشكلات تواجه أي محاولة إصلاح للفساد تتمثَّل فيما يلي:
1- بطء وضعف النظم القضائية والأجهزة الأمنية مما يعطل أي إصلاح ويسمح بظهور الجريمة المنظمة واستشراء الفساد.
2- تعقُّد النظم واللوائح التنظيمية مما أدى إلى إذكاء نيران الفساد.
3- تشابك الخطوط بين القطاع العام والقطاع الخاص مما يُولّد مساعي حثيثة للحصول على الربح وذلك بقيام المسؤولين باستغلال نفوذهم في القطاع العام لتحقيق مكاسب لقطاعهم الخاص.
ويرجع الاهتمام بمشكلة الفساد وإجراءات مكافحتها إلى ارتفاع حدوث حالات الفساد وإلى تزايد الوعي بممارسات الفساد بالإضافة إلى انخفاض مستويات التسامح، وتشير وثائق الأمم المتحدة إلى وجود بعض العوامل المشجعة والمهيئة لارتكاب جرائم الفساد منها:
1- عندما تحتكر أو تسيطر شركة أو حفنة من الشركات على السوق فإن المجال يكون مهيأً أمام ممارسات الفساد مثل المغالاة في ثمن الخدمة أو السلعة المقدمة أو تقديم عمل من نوعية متدنية أو التأخر في تسليم العمل، وبخاصة في الفترات التي يمتلك فيها السلطة واتخاذ القرار حزب أو نظام ما لفترة طويلة نسبياً.
2- حالة وجود سلطات تقديرية واسعة في أيدي أفراد أو مؤسسات أو شركات حكومية أو غير حكومية في الوقت الذي تكون فيه آليات المراجعة والموازنة والمراقبة قليلة أو معطلة أو مغيّبة، ويظهر ذلك بجلاء عندما تكون السلطة في أيدي أشخاص لديهم مهارات ومعرفة بالغة التخصص.. ونادراً ما تخضع سلطاتهم للمراقبة.
3- عندما تكون اللوائح التنظيمية لقطاع معين حكومي أو غيره غير واضحة وغامضة ومعقدة من الناحية التقنية فإن المراجعين وعامة الناس يعجزون عن ممارسة الرقابة الفعلية على أعمال هذا القطاع.
4- عدم التماثل القانوني في الأنظمة الجنائية والمصرفية والضرائبية بين الدول.. من العوامل المهيئة لممارسات الفساد، والفساد ليس حكراً على نمط معين من الحكومات أو المجتمعات.. بل هو موجود في جميع البلدان إلا أن البلدان التي تمر بمرحلة النمو أكثر المجتمعات تعرُّضاً للفساد، ويُعزى ذلك إلى التغيير في احتياجات المجتمع المدني وتحرُّكه نحو المجتمع الاستهلاكي في الوقت الذي يفتقد المجتمع إلى الأجهزة التنفيذية والأجهزة القضائية والأجهزة التشريعية المنظمة جيداً، ويتدرج الفساد في هذه المجتمعات من رجل الشارع إلى المستويات العليا.. ومن العوامل المسببة للفساد: الجشع والظلم الاجتماعي والشهوة للمكانة الاجتماعية والسلطة وصعوبة كشف جرائم الفساد وعدم الاهتمام بالمعاقبة عليها بالإضافة إلى عوامل خاصة ببعض الأقطار مثل: حجم السكان والموارد الطبيعية ونحوها، كما أن البلدان التي تقوم بإجراء إصلاحات جذرية على نظمها الاقتصادية والسياسية تواجه أنماطاً من الفساد.. وخصوصاً أثناء إجراءات الخصخصة الواسعة النطاق للشركات التي كانت تملكها الحكومة والمؤسسات الحكومية وشركات القطاع العام، وهذه الشركات والمؤسسات تُعتبر جزءاً مهماً من القيمة الاقتصادية الوطنية، كما أن البلدان المتقدمة عرضة أيضاً للفساد نتيجة لفئات علية المجتمع الذين يُنشئون شركات ومؤسسات مغلقة يختلط فيها التمييز بين ما هو مصلحة خاصة.. ومصلحة عامة.
*dr-a-shagha@hotmail.com