من النساء الماجدات في تاريخ الإسلام الصحابية (أم عمارة) وهي نسيبة بنت كعب الأنصارية. كانت تقاتل بنفسها بشجاعة، وبسالة فاقت كثيراً من الرجال. ففي غزوة أحد ذادت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يذود الرجال من صحابته. يقول التاريخ: (وكانت أم سعد بنت سعد بن ربيع تقول عن أم عمارة: دخلتُ عليها فقلت لها: يا خالة حدثيني خبرك. فقالت خرجت أول النهار إلى أحد، وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والربح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وأرمي بالقوس حتى خلصت إلي الجراح. فرأيت على عاتقها جرحاً له غور أجوف فقلت: يا أم عمارة من أصابك بهذا؟ قالت أقبل ابن قميئة وقد ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا؛ فاعترض له مصعب بن عمير وأناس معه فكنت فيهم فضربني هذه الضربة ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان. قلت: يدك ما أصابها؟ قالت أصيبت يوم اليمامة لما جعلت الأعراب ينهزمون بالناس نادت الأنصار: أخلصونا; فأخلصت الأنصار، فكنت معهم حتى انتهينا إلى حديقة الموت فاقتتلنا عليها ساعة حتى قتل أبو دجانة على باب الحديقة، ودخلتها وأنا أريد عدو الله مسيلمة، فيعترض لي رجل منهم فضرب يدي فقطعها، فو الله ما كانت لي ناهية ولا عرجت عليها حتى وقفت على الخبيث مقتولاً، وابني عبد الله بن زيد المازني يمسح سيفه بثيابه. فقلت: قتلته؟ قال نعم. فسجدت شكراً لله).
عندما نقرأ هذا التاريخ، وغيره من تاريخ نساء الإسلام، ثم نلتفت إلى بعض من يطالبون النساء بالبقاء في البيت، وعدم الخروج منه، تتساءل: هل هؤلاء الصحابيات الجليلات كُنّ متمردات على تعاليم الإسلام، أم أن هناك إسلاماً آخر غير هذا الإسلام؛ ثم هل هذه الأدلة الواضحة وضوح الشمس يمكن (للمتشددين) أسرى العادات والتقاليد، ومن يدور في فلكهم، أن (يخفوها)، ولا يجدوا من يتصدى لهم بالحوار ومقارعتهم بالدليل والحجة؟
سادتي: أن يسمح للمرأة بأن تتعلم، وتنال أعلى الدرجات العلمية، ثم نطالبها بالبقاء كأي قطعة أثاث في البيت لا تبرحه إلا أن تنقل إلى بيت آخر، أمر لا يرفضه الدين فحسب، وإنما يرفضه الإنسان الواعي المتحضر.. فالمرأة في الرياض، وفي بقية مدن المملكة وقراها كانت تعمل، وتبيع وتشتري في الأسواق، ولم يتجرأ حتى أشد المتشددين آنذاك المطالبة بقطع أرزاقهن، فما الذي تغير؟
يسألون: وهل ترضاها لزوجتك، أو لأختك، أو لابنتك، أقول بملء فمي: نعم؛ فأمي أو زوجتي أو أختي أو ابنتي لهن في الصحابيات الجليلات - كأم عمارة مثلاً - أسوة حسنة؛ فالمرأة التي سمح لها الدين القيّم بأن تخوض غمار المعارك وتقاتل الرجال وليس فقط أن تعمل معهم، أو بجوارهم، لا يمكن أن يحرمها من أن تبحث عن رزقها ورزق من تعول؛ قليل من العقل أيها السادة، فالتاريخ أصبحت قراءته حقاً مشاعاً للجميع، لا كما كان الأمر قبلاً.
إلى اللقاء..