لا أحد من الأطباء لديه وصفة سحرية للإبقاء على الذاكرة لدى كبار السن، الذين يعتقدون أن النسيان هو علامة أولية لمرض الزهايمر أو الخرف. إلا أن هناك توصيات لتقوية الذاكرة من خلال النوم وأخذ قسط من الراحة.
وقد أشارت د. ليلي دافاتشي متخصصة في علم النفس في جامعة نيويورك، إلى دراسات أظهرت أن النوم عموما في أي وقت يساعد على تخزين الذكريات. وألمحت إلى الدور الذي يلعبه أخذ قسط من الراحة أثناء النهار في تقوية الذاكرة بما يعرف علميا ب(الراحة النشطة). حيث هي الوقت الذي يتم فيه نقل المعلومات وترتيبها وتحويلها إلى الذاكرة التي بدورها تحتفظ بها حتى ساعة استدعائها. وهو ما يفسر حاجة الأطفال للنوم الطويل والمتواصل، إذ يبدأ المولود في تخزين المعلومات الجديدة من حوله، ولهذا يحتاج وقتا أطول لتثبيت هذه المعلومات الهائلة في الذاكرة.
وقد عرضت شبكة CNN الإخبارية بحثا يختص في الأعصاب تضّمن إجراء مسح دماغي ل16 شخصاً بواسطة الرنين المغناطيسي بعد أن طلب منهم المختصون النظر إلى صور وجوه ومشاهد مختلفة وأخذ فترة من الراحة، حيث كانت النتائج تؤكد على أن المنطقة الواقعة بين القشرة الجديدة نيو كروتكس (Neocortex) وهايبوكامبوس (hippocampus) الموجودة في النصف السفلي من الدماغ عملت بنشاط أكثر بعد أخذ فترة من الراحة. وقد خلص الباحثون إلى أن الدماغ يتذكر أكثر عندما يأخذ فترة من الراحة بعد محاولة تعلم أشياء أو تخزينها. وهذا ما يظهر أهمية النوم منتصف النهار (القيلولة) حيث تعد فترة جيدة ليحفظ الدماغ المعلومات السابقة. ولعل غفوة قصيرة كفيلة بتحسين الأداء الذهني بقية اليوم. كما أن الالتزام بالذهاب للنوم في موعده يعطي الدماغ فرصة ترتيب وضعه، وتنظيم نفسه.
ويؤكد الباحثون خطأ ما تعارف الناس عليه بأن مرور الزمن يقلل من كفاءة الذاكرة ويقلص الذكريات. بينما لفتوا النظر إلى أهمية أخذ قسط كاف من الراحة بعد تلقي معلومات جديدة حتى تظل حية في الدماغ؛ لأن التعب والنشاط والقيام بعدة مهام بعد تلقي معلومة جديدة قد يربك الذاكرة وهي تسعى لتثبيتها! بل إن النوم العميق يقوي الذاكرة وينعشها ويحميها من التشويش أو التآكل، ويساهم في شحذها ويعزز من قدرات ومستويات التعلم، ويدعم القدرة على إجادة اللغات بالذات، كما أنه يساعد على التركيز واستعادة الذكريات. والحرمان من النوم لا يفقد المرء القدرة على التركيز فحسب؛ بل ويصيبه بضعف الذاكرة. فالنشاط في الدماغ ينتقل من منطقة إلى أخرى خلال النوم، وينتقل التذكر من منطقة في الدماغ إلى منطقة أكثر فعالية، وبهذا يكون تذكر المهام السابقة أكثر سرعة ودقة دون توتر أو انفعالات مصاحبة؛ حيث يعمل الدماغ أثناء النوم على ربط عناصر الأشياء المخزونة كذكريات فيه، مما يجعلها أكثر قوة وأسرع وأدق استحضاراً.
وأشارت أبحاث تطبيقية عملية متخصصة بأن النوم يقلل من الأخطاء التي قد تقع بها الذاكرة سواء عند صغار السن أو الكبار. وتلك التطبيقات تشمل الجميع، ابتداء من التلاميذ الذين يخطئون في الامتحان، وصولا إلى المسنين الذين ينسون تناول أدويتهم في وقتها المحدد. لذا فالنوم يعد أحد المتطلبات الأساسية في نجاح الطلاب. وبات من المؤكد أنه لا يمكن حرمان الدماغ من النوم الكافي والحصول على نتائج تعليمية جيدة! عدا أن النوم عنصر مهم لصلابة وقوة الذاكرة لدى منْ يتطلب منهم النجاح في مهنهم وظروفهم العملية.
والواقع أن الإنسان يحتاج للنوم لا لأجل راحة الأعضاء الحركية في الجسد وبعث الشعور بالراحة والنشاط البدني، بل إنه ضرورة لاستقرار القدرات الفكرية والعقلية والنفسية الهامة في الجسم كضرورة تناول الطعام وتنفس الهواء.
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com